مراسلو البيت الأبيض يشعرون بتجاهل أوباما

لمصلحة البرامج التلفزيونية وموقع «يوتيوب»

يعد أوباما أول رئيس أميركي يعقد لقاءات عبر شبكة الإنترنت ويذيع خطابه الأسبوعي عبر موقع «يوتيوب»
TT

قبل ستة أشهر شكا مديرو الشبكات التلفزيونية من أن البيت الأبيض يضيع عليهم عشرات الملايين من الدولارات عبر الضغط عليهم لإذاعة المؤتمرات الإخبارية للرئيس في وقت الذروة. حُلت المشكلة: ولم يعقد الرئيس أوباما أي مؤتمر صحافي واسع النطاق منذ يوليو (تموز). وبدلا من ذلك أجاب على عشرات الأسئلة التي طرحها الأفراد الأسبوع الماضي عبر «يوتيوب»، كانت أغلبها بارعة في الدقة، والميزة الأخرى، كانت تخلو من التعليقات المثيرة للضيق التي يشكلها وجود الصحافيين.

سيكون من الصعب، أو المستحيل حقا، القول: إن أوباما لا يحظى بقبول إعلامي، عبر المقابلات التلفزيونية الدائمة، لكن قرار تجاوز المراسلين الصحافيين للبيت الأبيض ليس حادثا عرضيا. وقال تشيب ريد، مراسل شبكة «سي بي إس»: «إنه مصدر إحباط كبير هنا. ومن المهم لنا التحدث بصورة مباشرة مع الرئيس». أما مراسل شبكة «إن بي سي» الإخبارية تشاك تود فسمى ذلك الموقف «بالمخزي» قائلا: إن الإدارة تحاول السيطرة على الرسالة الإعلامية بدلا من السماح لأوباما بالظهور دون نص مكتوب. من جانبه، قال روبرت غيبس السكرتير الصحافي للبيت الأبيض: «ربما نكون قد بلغنا في عدد اللقاءات التي أجريناها مع صحافيين في هذه الفترة من الرئاسة أكثر مما قامت به أي إدارة أخرى. لم نكن خجولين في إجراء المؤتمرات الصحافية، فالرئيس يرى أن هذه المؤتمرات وسيلة جيدة للتواصل لكن المبالغة في عقد المؤتمرات الصحافية سيجعلها بلا معنى».

وأضاف مدير الاتصالات في البيت الأبيض دان بيفيفر: «عدم عقد مؤتمرات صحافية يعني عدم تلقي أسئلة وهذا غير صحيح، ففي الماضي كانت الطريقة المثلى لأي رئيس للوصول إلى الشعب، عبر الصحافيين الجالسين في الصفوف الثلاثة الأولى من القاعة الصحافية للبيت الأبيض. لكن مما لا شك فيه أن مواقع مثل (ذا هافينغتون بوست) و(توكينغ بوينتس ميمو) ونظيراتهما المحافظة يمكنها أن تخرج بقصص شبيهة بقصص المؤسسات الصحافية التقليدية التي تكتبها نيويورك تايمز والواشنطن بوست». وأشار غيبس وبيفيفر إلى أن تلقي الأسئلة في اجتماعات مجلس المدينة عبر «يوتيوب» والنقاش الاستثنائي مع النواب الجمهوريين يعد خطوة أكثر مجازفة للرئيس أوباما، أكبر مما هو في قاعات المؤتمرات الصحافية. فيوضح بيفيفر بقوله: إنها لا تقل جدية عن صعوبة الأطقم الإعلامية الصحافية الموجودة في البيت الأبيض. بيد أن المراسلين يجيدون طرح الأسئلة والضغط بشأن التناقضات الماضية». عقد الرئيس أوباما مؤتمرات صحافية في فبراير (شباط) ومارس (آذار) وأبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) ويوليو (تموز) كانت أربع منها في القاعة الشرقية في الساعة الثامنة مساء، حيث أجاب على الأسئلة بسهولة وثقة وكان طبيعيا للغاية. لكن الجلسة 22 التي جرت في يوليو (تموز) أكدت كيف يمكن للإدارة أن تفقد السيطرة على مسار الأمور. فخلال المؤتمر الصحافي الذي كرس غالبيته لإصلاح الرعاية الصحية، أجاب أوباما على تساؤل أخير بشأن اعتقال صديقه لويس غيتس، حين قال الرئيس: إن شرطة كامبريدج تصرفت بغباء، وهي الزلة التي سيطرت على وسائل الإعلام على مدى أسبوع.

بيد أن المؤسسات الصحافية التي اعتادت على الشكوى من قبل بشأن المؤتمرات الصحافية غير المنتظمة للرئيس السابق جورج بوش يجب ألا تترك أوباما يقدم على ذلك دون معارضة.

فقد احتج بعض أفراد هذه المؤسسات وقد أثار ريد القضية مع غيبس في المؤتمر الصحافي الشهر الماضي، وقالت هيلين توماس كاتبة الرأي في صحيفة هيرست: إن الرئيس أمضى وقتا طويلا دون أن يعقد مؤتمرا صحافيا واحدا. ورد غيبس على ريد بالقول: إن المرة الأخيرة التي طرح فيها هذا الأمر ذكرتموني بالإفراط في عقد المؤتمرات الصحافية. خلال الأسابيع القليلة الماضية تحدث الرئيس إلى ديان سواير من شبكة «إيه بي سي» وجورج ستيفانوبولوس وتشارلي غيبسون وستيف كروفت في برنامج «ستون دقيقة» ومع كاتي كوريك لبرنامج «صنداي سوبر باول» على قناة «سي بي إس». والجميع تناول مع الرئيس موضوعات شتى. وقد اعترف أوباما لسواير أنه ارتكب خطأ مشروعا عبر الوعد بأن تنقل مناقشات الرعاية الصحية على قناة «سي سبان». ولكن مع القيود الزمنية الصارمة والجهود الطبيعية من المعلقين للتطرق إلى قضايا عديدة اكتسب أوباما ميزة دائمة.

تحدث الرئيس أيضا إلى أوبرا وينفري وجلس مع مجموعة من مؤسسات النشر، ومن بينها «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» وجوي كلين كاتب الرأي في مجلة بيبول وتايم. كما يقيم يوم الأحد مأدبة الغداء التقليدية غير الرسمية للمذيعين ولقاءات يوم الأحد في خطاب حالة الاتحاد، لكن تحدث بصورة رسمية مع كتاب الأعمدة في السياسة الخارجية.

على الصعيد العملي، ليس بمقدور أي منظمة إعلامية تغطية جلسة أسئلة وإجابات على مدار 45 دقيقة مع صحف ومجلات ومحطات إذاعية وتلفزيونية ومدونين، يجري بثها مباشرة على الهواء. في هذا الصدد، أوضح مايكل شير، مراسل «واشنطن بوست» لدى البيت الأبيض، أن «ما نفقده هو القدرة على التعمق فيما وراء النقاط التي يدور حولها الحديث. إن الرئيس والبيت الأبيض يتمتعان بقدرة كبيرة على الالتزام بنص محدد ورسالة بعينها.. بصراحة، إننا نقضي حياتنا في دراسة مثل هذه القضايا وتتبع تفاصيلها كي نتمكن من توجيه أسئلتنا إلى النقطة التي يكمن عندها التوتر الحقيقي في إطار قضية ما». الملاحظ أن أوباما تحدث إلى مراسلين عبر مؤتمرات صحافية من وقت لآخر في الخارج. ورغم تلقيه قرابة اثني عشر تساؤلا، تقلص الرقم. وحال حضور زعيم أجنبي، ربما لا يحصل الجانب الأميركي إلا على فرصة أو اثنتين للرد. من ناحيته، قال تود: إنه في الوقت الذي حصل هو ومراسلون لشبكات أخرى على فرص لعقد مقابلات قصيرة في الخارج، ليس هناك فسحة كافية من الوقت لطرح أسئلة واسعة النطاق حول قضايا مثل إيران والشرق الأوسط. وأضاف: «كل تلك المقابلات معدة سلفا، ويحاولون تركيزها على قضية محددة». الواضح أن كل رئيس يحاول الالتفاف على الصحافيين، لاعتقاده أنهم مولعون بالقصص والأسئلة المربكة. لكن وجهة النظر تلك غير منصفة، نظرا لأن الصحافيين يحرصون بالفعل على طرح أسئلة جوهرية، لكن البرامج الحوارية وفرت سبيلا أيسر للقيام بذلك منذ مشاركة بيل كلينتون للمرة الأولى في برنامج المحاور الشهير لاري كينغ و«إم تي في». من جهته، يعد أوباما أول رئيس يعقد لقاءات عبر شبكة الإنترنت ويذيع خطابه الأسبوعي عبر موقع «يوتيوب»، ويسمح بعرض مقاطع مصورة على مدونة البيت الأبيض، في الوقت الذي يتميز بيل برتون، نائب السكرتير الصحافي للبيت الأبيض بحضور لافت على موقع «تويتر». إلا أنه في الوقت الذي قد ينظر البيت الأبيض إلى المؤتمرات الصحافية المذاعة عبر التلفزيون باعتبارها إجراء عفا عليه الدهر - بدأه جون كينيدي عام 1961 - فإنه يبقى تقليدا قيما. ولا شك أنه ستبدو مفارقة كبيرة أن يقدم الرئيس، الذي نجح في الاستحواذ على اهتمام إعلامي كبير أثناء ترشحه للرئاسة، على تقييد من يعنون بالتغطية الصحافية لشؤونه. في لقاءه مع جون ستيوارت الأسبوع الماضي، سمح محاور شبكة «فوكس» بيل أوريلي للممثل الكوميدي بالجنوح بعيدا عن نهج الشبكة التي تدعي لنفسها التغطية المحايدة والمتوازنة.

خلال لقائهما في برنامج «ديلي شو»، استخلص أوريلي من ضيفه عدة هجمات كوميدية ضد الرئيس. من ناحيته، قال ستيوارت: إنه لا «يأخذ أيا من هذه الأمور على محمل الجد»، ولا يأبه لردود أفعال أهدافه لأنه «بصرف النظر عما ستقوله، هناك شخص ما لن يروق له حديثك». أما «فوكس»، وفي الوقت الذي أكد أوريلي أن «بضعة أفراد فقط» هم من يتبعون نهجا قاسيا في التعامل مع أوباما، فقد قال ستيوارت: إن القناة تمكنت من دفع الخطاب المحافظ إلى المقدمة وتحويل المخاوف المقبولة بشأن سياسات الإدارة إلى حالة من الذعر العام والهجمات اللاذعة. أما أوريلي، فقد جاء حديث ستيوارت أكثر رقة، حيث قال له: «لقد أصبحت صوت العقل هنا، الأمر الذي يجعلك أشبه بأكثر الأطفال نحافة داخل معسكر للأطفال السمان».

* خدمة واشنطن بوست - خاص بـ«الشرق الأوسط»