المتحف البريطاني يعرض ستائر ومفاتيح للكعبة ومذكرات رحالة مسلمين إلى الأراضي المقدسة

في إطار معرض حول الحج يعد له المتحف ويعتبره الأضخم من نوعه

ستارة من الحرير صنعت على طلب السلطان محمود الثاني لأهدائها للحرم الشريف (الصورة من دار بونهامز)
TT

لأول مرة في المتحف البريطاني تتحول غرفة القراءة الدائرية لتحتضن معروضات ترتبط بالحج والمشاعر المقدسة، وتصدح في أرجاء القاعة أصوات الحجاج هاتفة بتكبيرات الإحرام، مختلطة بروايات أشخاص عن رحلاتهم للأراضي المقدسة. على الأقل هذا هو السيناريو المحتمل للمعرض الذي ينوي المتحف إقامته في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2012 عن رحلة الحج، وحسب المسئولين في المتحف يعتبر هذا المعرض هو الأضخم والأول من نوعه في المتحف العريق.

المعرض تعد له فينيشيا بورتر، أمينة قسم العالم الإسلامي والشرق الأوسط المعاصر بالمتحف، ومن المتوقع أن يقدم معروضات نادرة تعرض لأول مرة في العالم الغربي ستستعار من عدد كبير من البلدان في مقدمتها السعودية ومصر وماليزيا وتمبكتو. وخلال فترة الإعداد للمعرض نسق مدير المتحف البريطاني نيل كغريغور مع السفارة السعودية في لندن، التي كانت لها دور كبير في الإعداد للمعرض، حيث تقابل مكروغر ومسؤولو قسم الشرق الأوسط في المتحف مع السفير السعودي في لندن، الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، لمناقشة تفاصيل المعرض وطبيعة المعروضات التي يمكن الحصول عليها من السعودية. و لفتت الى التعاون مع الهيئة العامة للآثار و السياحة في السعودية.

وخلال حديث مع «الشرق الأوسط» أشارت فينيشيا بورتر إلى أن المعرض جزء من سلسلة معارض ضخمة يقيمها المتحف البريطاني، بدأت مع سلسلة الحكام العظام، التي ضمت معرض «الإمبراطور الأول: جنود جيش التيراكوتا» حول إمبراطور الصين كين شي هوانغدي وتلاه معرض عن هادريان الحاكم الروماني ومن بعده معرض «شاه عباس، إعادة بناء إيران». بعد تلك السلسلة من المعارض الناجحة، التي أعادت البريق والوهج، وتدفق الجمهور على صالات المتحف البريطاني، ينوي المتحف البدء في سلسلة جديدة تستكشف الرحلات، تبدأ أولى حلقاتها مع معرض عن يوم الموتى لدى المصريين القدماء، ويليه معرض «مسألة عقيدة» عن الرحلة في الديانة المسيحية، وتختتم السلسلة بمعرض شامل عن الحج. تضيف بورتر قائلة: «كل تلك المعارض تشترك في أنها تستكشف أهمية الرحلة بأكثر من وسيلة وشكل». ولكن فيما يتعلق بمعرض الحج تضيف موضحة «أقيمت معارض كثيرة تناولت جوانب معينة مرتبطة بالحج، ولكن لم يوجد بعد المعرض الذي يجمع كل تلك العناصر في مكان واحد.. أن ننظر إلى الأمر منذ البداية وحتى الوقت الحالي بالاستعانة بوسائل مختلفة متعددة الوسائط والموسيقى والأفلام الوثائقية والصور القديمة والمخطوطات، وحتى الفن المعاصر الذي تناول الحج».

ولكن حين تتحدث بورتر عن إقامة المعرض توضح أن حجم العمل مهول، ويكاد يكون مستحيلا أن يلم معرض واحد بكل جوانب الحج، لكن بورتر تؤكد أن الفكرة قد تبدو متشعبة ومن خلال الإعداد ستصفى الأفكار وتختزل، وبالتالي التركيز على جوانب محددة تتركز حول الرحلة المقدسة، «الفكرة كبيرة جدا ومتشعبة بحيث يصبح من الصعب القيام بها بشكل مفصل، لكننا نستطيع إعطاء فكرة عامة حولها. لا بد لنا من انتقاء القصص التي سنعرضها وأيضا سنحاول أن نركز على طرق الحج الأساسية».

«التحدي الحقيقي لنا هنا هو إبراز الجانب المقدس وهو مهم جدا، ولكن أيضا فكرة الرحلة مهمة، فهناك الطرق التي سلكها الحجاج للوصول إلى الأراضي المقدسة مثل درب زبيدة (نسبة إلى السيدة زبيدة زوج الخليفة هارون الرشيد، التي أسهمت في عمارته). فيما يخص هذا الطريق نقوم بالتعاون مع زملاء في المملكة العربية السعودية عملوا على الاستكشافات الأثرية الخاصة بهذا الطريق. ونقوم بالتعاون مع علماء سعوديين حول طرق الحج الأخرى مثل الطريق من اليمن والكتابات التي تركها الحجاج على الصخور عبر ذلك الطريق». وتتوقع بورتر أن يضم المعرض بعض القطع المرتبطة بهذه الطرق.

وحين يستكشف المعرض الطرق فإنه بالضرورة سيلجأ إلى روايات الرحالة الذين سجلوا زيارتهم للأراضي المقدسة، مثل ابن جبير وابن بطوطة ومن العالم الغربي مالكولم إكس، وتأمل بورتر في ضم مذكرات ليدي إيفيلين كوبولد وهي أرستقراطية من أسكوتلندا وكانت أول امرأة بريطانية مسلمة تقوم برحلة الحج عام 1933. وبهذا التصور سيتضافر في العرض القطع الأثرية، التي تحمل كل منها قصة مرتبطة بالحج، مع تلك الأصوات التي سجلت مشاهدات وخواطر خاصة حول التجربة، وتشير بورتر هنا إلى أن التحدي يكمن في الربط بين كل تلك العناصر في عرض متكامل.

أما عن المعروضات فتشير بورتر إلى أنها تتفاوض مع متحف توبكابي سراي في إسطنبول لاستعارة بعض القطع التي تعود إلى عصر الدولة العثمانية، وأيضا تتوقع الحصول على قطع مهمة من دمشق والقاهرة والقدس وتمبكتو، «لكي نسرد القصة نحتاج إلى قطع تروي لنا قصة الحج، فهناك مثلا المحمل الذي كان يحمل كسوة الكعبة سنويا من القاهرة، وأيضا المقتنيات التي كان يحملها الحجاج معهم من الأراضي المقدسة، مثل شهادة الحج التي كان يحصل عليها كل حاج والمشتريات التي يبتاعونها من هناك للذكرى. هناك أيضا مفاتيح الكعبة والستائر التي كانت تعلق في داخلها وقطع الكسوة التي صنعت في اليمن وفي القاهرة».

و تشير بورتر إلى أن التصور المبدئي للمعرض يقوم على ثلاثة أقسام؛ الأول: تاريخي حول تاريخ الحج والطرق التي استخدمت للوصول إلى الأراضي المقدسة، ويضم قسما حول هدايا السلاطين والحكام التي تشمل الكسوات والستائر. الثاني: سيتركز حول مكة حيث سيُخصص جزء كبير من المعرض حول المدينة المقدسة ماضيها وتاريخها والعائلات التي كانت مختصة بخدمة الكعبة. أما الثالث: فيستكشف الحج في الوقت الحالي، ولهذا الغرض يضم المعرض جانبا خاصا بالمسلمين في بريطانيا، فيضم المعرض تسجيلا لرحلة أحد العاملين في المتحف البريطاني إلى الحج، وهو حسن أريرو الذي حج العالم الماضي ويعمل حاليا مع بورتر على الإعداد للمعرض. وتضيف بورتر: «نتصل حاليا بالجاليات المسلمة هنا، حيث سيضم المعرض جانبا تفاعليا يقوم على التواصل معهم سواء كان ذلك عن طريق المحاضرات أو الأفلام أو النشاطات التفاعلية».

وسيقام المعرض في غرفة القراءة في المتحف وهي غرفة دائرية ضخمة وستستخدم لإعادة تصوير الشكل الجغرافي لمكة، وستتيح المساحة أيضا عرض الأفلام والصور ونماذج من كسوة الكعبة تعرض لأول مرة في المتحف البريطاني.

هل هذه هي المرة الأولى التي يقام فيها مثل هذا المعرض في المتحف البريطاني؟ تجيب بورتر: «لا أعتقد أن هناك أحدا تناول فكرة الحج بهذا الشكل وعلى نفس المستويات التي ننوي تقديمها».

وتشير إلى عامل آخر وهو التوقيت وتقول: «التوقيت مهم جدا فقصة الحج تتجاوز السياسة والخلافات، فهي قصة الإيمان، ومن المهم لنا أن تقدمه الآن، هناك الكثيرون هنا ممن لا يعرفون شيئا عن الحج».