رحيل مؤسس الفرقة السيمفونية الوطنية اللبنانية

المايسترو وليد غلمية ترك عصاه السحرية وذهب

الموسيقار وليد غلمية عاش الموسيقى ومات ومعه مشاريع جديدة
TT

كل لبنان يعرف وليد غلمية، فقد جاب بالأوركسترا السيمفونية الوطنية التي كان يقودها، بعد أن جهد في تأسيسها، مختلف المناطق اللبنانية. عزف للناس، في الأعياد، خلال أيام الأسبوع، بمناسبة ومن دونها، في أماكن عامة تتيح لهم المتعة المجانية. أراد أن يجعل من حب الموسيقى نمطا حياتيا وطنيا شاملا، من خلال المعهد الوطني للموسيقى الذي ترأسه في بيروت وفروعه في المناطق، وتلك الأوركسترا التي أسسها بعد إصرار طويل ومثابرة، معتبرا أنه من العار ألا تكون للبنان أوركستراه. أسسها وقادها ما يناهز 12 عاما، قبل أن يرحل تاركا وراءه طلابه ومحبيه، ومهرجان البستان الموسيقي الذي كان يواكبه ويشارك فيه كل عام، كموسيقي وباعتباره نائب رئيس لجنته المنظمة. توفي الموسيقار اللبناني وليد غلمية يوم أول من أمس عن عمر يناهز 73 عاما، بعد صراع مع مرض عضال، أثناء علاجه في الجامعة الأميركية في بيروت. وقد نعاه وزير الثقافة اللبناني سليم وردة، معتبرا أن «رحيل المايسترو وليد غلمية خسارة عالية النبرة، ورحيله أشبه بفراشة أنهت حياتها على ضوء الموسيقى، وأضاف: «إن وليد غلمية ليس أحد الذين أطلقوا تجربة المسرح الغنائي في لبنان فقط، بل هو أحد أبرز أعمدة قيام مفهوم حياة موسيقية تمتد من بيروت إلى جبل لبنان، ثم إلى البقاع والشمال والجنوب. هكذا أقام الكونسرفتوار الوطني، ليس كبناء بل كفكرة، لأن الأبنية كثيرة والأفكار قليلة».

وتابع الوزير في كلمته التي رثى من خلالها الراحل: «إنه صاحب هذه الفكرة العظيمة، فكرة قيام أوركسترا وتثمير ذلك في استقطاب أعداد كبيرة من الموسيقيين الأوروبيين في الطريق إلى تأهيل حضور الأوركسترا في لبنان، وبناء استعداد الموسيقيين اللبنانيين للحضور فيها، حيث إنه الأدرى بأن الموسيقي اللبناني بحاجة بشكل عام إلى إخراجه من أنماط الشغل الموسيقي الدارج».

وليد غلمية من مواليد مرجعيون، وهو موسيقار وعازف ومؤلف موسيقي، بدأ دراسته الموسيقية طفلا صغيرا، واحترف المهنة عام 1963 مشاركا في مهرجانات بعلبك، أصدر أولى أسطواناته عام 1968، كما شارك في مهرجانات جبيل عام 1971 ومهرجان الأرز ومهرجان نهر الوفا.

ألف وليد غلمية ست سيمفونيات ووضع موسيقات تصويرية سينمائية ومسرحية، إضافة إلى ألحان الكثير من الأغنيات والأناشيد. غنت له الفنانة هبه قواص ورافقها في غالبية حفلاتها، إذ تعتبر تلميذته ومن المتأثرين بموسيقاه إلى حد كبير، ومن الذين غنوا ألحانه الشهيرة الفنانة صباح فهو من لحن لها: «دخلك لا تعلقني»، «شو بدي أعمل قللي»، «قلعة كبيرة»، «مرحبا يا حبايب»، «مسيناكم»، «وقايمه ضب ثيابي»، «يا طالع من وديان»، «يسلم لبنان».

بقي وليد غلمية حتى قبيل وفاته مشغولا بمشاريع يريد إنجازها، منها فرقتان للكورال إحداهما للغناء العربي وأخرى للغناء الغربي، تكون إلى جانب الفرق الوطنية التابعة للكونسرفتوار الوطني اللبناني. وبقي يكرر في كل مناسبة ضرورة أن يشيد قصرا للثقافة في لبنان، وتبنى دار للأوبرا، كي تكون دارا للفنانين والموسيقيين.

حاز في حياته وسام الاستحقاق اللبناني من رتبة فارس، ووسام مار بطرس وبولس من غبطة البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم، والوسام الذهبي لرئيس النمسا لعطاءاته العالمية، والوسام الذهبي من مؤسسة البيبليوغرافيا الأميركية الدولية. يوارى الثرى يوم السبت المقبل في مسقط رأسه في مرجعيون، لتطوى بذلك صفحة مجيدة من صفحات الإبداع الموسيقي في لبنان، وينتقل الكونسرفتوار الوطني اللبناني كما الأوركسترا السيمفونية الوطنية إلى عهدة فنان آخر، بعد جدل لم ينقطع حول بقاء غلمية لفترة طويلة على رأس هذا المعهد الذي خرج مئات الفنانين.