في السعودية، وفي ظل الإقبال المتزايد من الشباب على الأزياء العصرية، يجد الثوب السعودي نفسه أمام مفترق طرق, إما أن يستوعب إدخال التصاميم الحديثة عليه، التي تكسر من شكله التقليدي لمواكبة أذواق الشباب وجذبهم له, وإما البقاء على ما هو عليه والوقوف صامدا متفرجا على ركب التطور.
وبما أن الشباب هم قادة التغيير، فقد استطاع بعض مصممي الثياب الرجالية، استحداث الجديد والعصري على شكل الثوب السعودي التقليدي, مما أدخله هوية جديدة على غرارها انقسم الشارع السعودي بين مؤيد ومعارض, فيما فرضت التصاميم الحديثة مكانتها بين الثياب التقليدية، واستطاعت جذب أذواق الكثير من الفئات العمرية وليس الشباب فقط.
ومن هذا المنطلق، يرفض المصمم سراج سند، وهو أول من أدخل فن نثر الحروف على الثياب الرجالية، أن تكون هناك بداية أو قالب معين للثوب العربي, مؤكدا أن لكل دولة شكلا لثوبها.
وفي هذا الأمر يرى سند أن «أشكال الثياب الرجالية تختلف حسب طبيعة كل دولة, مثل دول الخليج، التي تتميز كل دولة منها بشكل معين للثوب، على الرغم من التشابه في أي أشياء كثيرة, وكذلك دول المغرب العربي ومصر وغيرهما, أما ثوبنا السعودي فلم يتغير كثيرا, إنما فقط تمت إضافة الياقات والأكمام، وهي مأخوذة من القمصان، وبعضا من التغيرات».
ويرى أن شكل الثوب السعودي ثابت، وأنه لا بد من المحافظة على هذا الزى الوطني, مبرزا في الوقت ذاته محاولته جاهدا المحافظة على هذا الموروث, وأن التحديثات التي طرأت عليه، تمت بإضافة قصات مختلفة تتناسب مع الأجسام, إلى جانب المحافظة على الشكل الخاص بالثوب كهوية سعودية.
وأيد عبد الله الفضل (47 سنة)، وهو أحد مرتادي محلات تفصيل الثياب الرجالية، التصاميم الحديثة للثوب السعودي, وأنه وأولاده الثلاثة، الذين يبلغ أكبرهم 20 عاما، دائما ما يختارون الحديث من التصاميم. وقال الفضل في هذا الأمر: «فكرة إدخال التغييرات على الثوب التقليدي فكرة جيدة, جذبت الشباب وأبعدت البعض عن الأزياء العصرية والتقاليع الجديدة التي غزت عقول الأغلبية منهم, وما فيها من سفور ومجون، مثل تقليعة البنطلونات التي تبرز الملابس الداخلية, فالثوب مهما أضيف إليه من تغيير في تصميمه، فإنه ساتر للجسم محافظ على هويته».
واختلف رأي العم محمد السروري (65 سنة) مع رأي الفضل، مبديا رفضه لفكرة تغيير شكل الثوب السعودي, حيث يجد أن إدخال أي تغييرات عليه يعتبر طمسا لهوية الثوب السعودي, رافضا تقبل الفكرة جملة وتفصيلا. وبالعودة إلى سراج سند، الذي أكد أن التغيير دوما يصاحبه القبول والرفض من حيث وعي المجتمع السعودي لمواكبة المتغيرات, وكذلك التطلع للخروج والتغير في حدود مراعاة التقاليد والأعراف، قال: «الشباب هم من يستطيعون إدراج التغيير على ما يرتدون في وقتنا الحاضر، ولذلك فهم الشريحة الكبرى التي لديها الرغبة في التغيير».
وقال المصمم سراج سند عن فكرة نثر الحروف على الثياب: «جاءت هذه الفكرة من مهرجان الجنادرية العشرين, حيث صممت ملابس الفنانين الخمسة المشاركين في هذا الأوبريت الكبير، الذي يحظى برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, ولقد لاقت رواجا كبيرا، ولله الحمد، حتى يومنا هذا».
ويرى سراج أن «الدقلة» أو «العباية» تنطلق من تاريخ المملكة العربية السعودية بالنسبة للأزياء المعروفة، بالإضافة إلى كونها معروفة أنها من الأزياء الرسمية التي لها شأن في المناسبات والحروب وخلافه, مرجعا دخول الحداثة والعصرية عليها أيضا حالها حال الثوب, مؤكدا أنه أول من أدخل الحداثة على «الدقلة» بإضافة أسماء العروسين عليها.
وقال: «كنت أول من أضاف أسماء العروسين على (الدقلة) التي يرتديها العريس في يوم زفافه, وإلى الآن هذا التصميم يجد القبول من جميع شرائح المجتمع, ولوحظ مؤخرا كذلك، أنني كلما وضعت تصميما جديدا لأزياء العروسين، أجد أن الغالبية يطلبون الأسماء لتميزنا بها عن سوانا».
واعترف المصمم سراج سند بأن أسعار المصممين في كل أنحاء العالم أغلى من أي محل تجاري تبيع السلعة نفسها التي يقدمها المصمم, قائلا: «تصاميمنا خاصة ومنفردة للشخص دون سواه، وكذلك لأن أغلب أعمالنا تعابير فريدة وغير مكررة, لذلك فأسعار المصممين مختلفة عن المحلات التجارية الأخرى».
ويرى محمد السعداوي، وهو شاب ذو 17 سنة، أن الشباب يفضلون لبس الثياب العصرية, وقال: «كثرة التصاميم تعطينا فرصة أكبر لاختيار الكثير من الموديلات, فالثياب العصرية تناسب كل الفئات العمرية، فأخي الكبير الذي عمره 27 سنة، وأبي الذي يبلغ عمرة 49 سنة، جميعنا نصمم ثيابنا بأشكال عصرية وندخل بعض التطريز عليها».
من جهته أشار المصمم لؤي نسيم، صاحب محلات «لومار» للثياب الرجالية، إلى أنه لوحظ منذ عقد من الزمن، أن الثوب السعودي لم يطرأ عليه إلا تغيير بسيط, كإضافة تطريز معين أو ألوان بسيطة معتادة, وتبعا لذلك بدأ الشباب يمل من الثوب المحصور في هذا الإطار الكلاسيكي القديم, ويتجه في لبسه إلى الجينزات والـ(تي شيرتات) مقلدا الغرب في طريقة لبسهم غير المتماشية مع العادات والمجتمع.
وقال: «كان ذلك نقطة انطلاق لنا في (لومار), وهي محاولة لجذب الشباب مرة أخرى بتصاميم عصرية مبتكرة وأنيقة وأكثر (كاجوال) تعبر عنهم أكثر، وتكون مريحة وعملية بألوان شبابية وأفكار حديثة، تخرجهم من القالب الموحد إلى اختيارات متعددة، فأصبح لديهم ثوب للدراسة وثوب للعمل وثوب للخروج مع الأصدقاء وآخر للمناسبات, وبالفعل بدأنا مشوار التغيير وتطوير الثوب بماركة (لومار) التي أصبحت، بحمد الله، وبشهادة الجميع، الماركة التجارية الأولى في المملكة، والمعروفة في دول الخليج والعالم العربي، وفي طريقها إلى العالمية، بإذن الله».
وبين أنه تبعا للحداثة وللتصاميم العصرية تم استخدام أكثر من خامة قماش في الثوب الواحد، كإضافة خامة «الاسترتش في الأكمام، وخامة المشلح، كسديري» وأفكار أخرى جريئة ومتعددة.
وأكد أن الحداثة في التصميم تطرح للعميل أكثر من اختيار، وتعطيه مجالا أكبر لانتقاء ثياب حسب مناسباته الاجتماعية، وأسلوب حياته اليومية، وهي في الوقت نفسه، إلى حد ما، لا تقلل من الطلب على الثوب الكلاسيكي القديم، لأن هذا الثوب تم تطويره أيضا، بإضافة خامات أقمشة معينة ولمسات خفيفة لا تخرجه عن إطاره.