سياحة مبتكرة تقتفي «مسار الأمويين».. عابرة للقارات ولسبع دول

مشروع إسباني ممول من الاتحاد الأوروبي لاستنهاض التاريخ الإسلامي

عنجر مدينة تاريخية
TT

بدءا من عام 2015 سيكون بمقدورك أن تقوم برحلات سياحية على خطى الأمويين. وكما استطاعت إسبانيا أن تربط بين 200 قرية ومدينة في الأندلس ترك فيها الأمويون آثارهم، وحولتها إلى مزارات للسياح يتعقبون فيها هذه الحضارة العربية الإسلامية، وسط المناظر الطبيعية المتوسطية الخلابة، فإن المشروع يتمدد ليصبح عابرا لثلاث قارات وسبع دول. «مؤسسة التراث الأندلسي» هي نفسها صاحبة المشروع الإسباني التي عرفت كيف تجعل من جنوب البلاد قبلة للسياح ومشتهى لمن يريد التعرف إلى الحضارة الأموية، هناك، بينما هي مهملة في مهدها العربي، تتحرك الآن بتمويل من الاتحاد الأوروبي، لتشبيك مشروعها، وجعله عابرا للحدود وبالتعاون مع مؤسسات ثقافية في البلدان التي جرى اختيارها. ويجري إطلاق مشروع «المسار الأموي» دولة بعد أخرى، بحيث يشمل إضافة إلى إسبانيا، كلا من البرتغال وإيطاليا ومصر وتونس ولبنان والأردن، ومع غصة في القلب بحيث تبقى سوريا، عاصمة الدولة الأموية خارج المشروع حتى إشعار آخر، بسبب الأوضاع المأساوية التي تعيشها البلاد، على أمل أن تنضم إلى هذا المشروع في أقرب فرصة ممكنة.

وأخيرا جرى إطلاق «مسار الأمويين» بجزئه اللبناني، في «مركز الصفدي الثقافي» بحضور الشركاء اللبنانيين، وهم: المدير العام لمؤسسة الصفدي رياض علم الدين، وباحثون من الجامعة اللبنانية الأميركية، وتحديدا (معهد التخطيط المدني) فيها الذي يقوم بالأبحاث التاريخية والأثرية اللازمة لتحديد المسار الأموي في لبنان، والمواقع المهمة، وبلدية جبيل التي ستحتضن متحفا أمويا يجري الإعداد لافتتاحه.

وخلال حفل الإطلاق، جرى التعريف بالمشروع، كما قدم متحدثون من «الجامعة اللبنانية الأميركية»، خلاصة أبحاثهم، وعرضت صور لأهم المواقع الأموية التي يمكن للزائر مشاهدتها في لبنان، وتلك التي يفترض أن يراها أثناء تجواله في اقتفاء أثر هذه الحضارة الإسلامية من آثار تعود لحقب مختلفة.

المشروع ذكي، أثبت نجاحا بديعا في الأندلس، والمنهجية ذاتها يجري تطبيقها على الدول التي تمر بها المسارات. وفي بناء على الثقافي الحضاري، للوصول إلى الهدف السياحي التجاري، ثمة عمل ترويجي جاد ومدروس وتنسيق حثيث مع المكاتب السياحية لتسويق هذه الزيارات المنظمة.

ورغم أن المعلن كما قال خوان مانويل سيد، وهو ممثل عن «مؤسسة التراث الأندلسي»: «تنظيم أنشطة منسقة تحقق تلاحما أكبر بين دول المتوسط التي تحتضن التراث الأموي، لما بينها من مشتركات»، فإن الجانب التجاري ليس خافيا، فالتسويق سيجري عبر موقع متخصص ومن خلال عقد ندوات وموائد مستديرة، ومنتديات وحملات تعريفية، والنتيجة النهائية وبعد عمل سيستغرق 15 شهرا «هي خريطة طريق أموية تمتد من الشرق إلى الغرب، من آسيا مرورا بأفريقيا وصولا إلى أوروبا».

وشرح خوان مانويل سيد، وهو يتحدث باللغة العربية التي أصر على استخدامها رغم أن بعض اللبنانيين المشاركين في حفل إطلاق المشروع تحدثوا، للأسف بالإنجليزية، أن العمل يجري مع 14 شريكا لرسم مسارات محددة، عابرة للحدود بينها قاسم مشترك واحد هو الحضارة الأموية، للوصول إلى منتج سياحي عالي الجودة».

ومن أبرز الآثار الأموية الموجودة في لبنان هي تلك التي يمكن أن يراها السائح في عنجر قريبا من الحدود السورية، حيث كانت ذات يوم مصيفا للخليفة الوليد بن عبد الملك، وكذلك مدينة بعلبك التي أقام فيها الأمويون بواباتهم وقصورهم وبيوتهم، في حين كان حاكمها يعين من دمشق، ولا يزال المسجد الأموي فيها أحد أبرز وأجمل آثار تلك المرحلة. لكن المهندس المعماري الدكتور زكريا كبريت أحد المهتمين بالمشروع ودراساته، يصر على أن المدن الساحلية اللبنانية كلها مدن إسلامية، وبعضها كانت ذات حيوية مهمة في عهد الأمويين. ويضيف كبريت: «بيروت، وصيدا وصور وجبيل كما طرابلس، كلها مدن إسلامية بالكامل، رغم أن بعضها يخلو من آثار أموية أو عباسية، فبعد الانتصار على البيزنطيين، عاش في هذه المناطق مسلمون ومارسوا حياتهم، وكان لهذه المدن أسوار وأبواب وقلاع، ومدينة بيروت اكتسبت أهمية إضافية في زمن السلطان عبد الحميد لأنه جعل منها عاصمة ولاية بعد أن كانت تابعة لولاية دمشق في العهود التي سبقتها، وهو ما ورثه الفرنسيون في فترة الانتداب، لكن الكثير من الآثار الإسلامية لم يعد لها من قائمة». ويرى كبريت أن غالبية الآثار الإسلامية في هذه المدن الساحلية لم تعد موجودة، لكن هذا لا يعني أنها لم تكن مواقع إسلامية، فالتاريخ شاهد على الأحداث والسير.

أما جبيل، التي تشتهر بأنها فينيقية ونادرا ما يشار إلى تاريخها الإسلامي، فكانت - بحسب دكتور كبريت - مرفأ استعمله معاوية بن أبي سفيان، لانطلاق السفن في هجماتها العسكرية.

وسيرى السائح في لبنان إضافة إلى الآثار الأموية التي لم يبق منها الكثير، تلك المملوكية والعباسية والبيزنطية أيضا، ومن ضمن الجولة الاستمتاع بالطبيعة الخلابة. وتظهر الخريطة أن المسار السياحي الأموي يبدأ من طرابلس شمالا، الغنية بإرثها المملوكي، ويمر على طول الطريق البحري وصولا إلى صور، لكنّ ثمة مسارا آخر ينطلق من بيروت باتجاه بعلبك في البقاع ومنها إلى عنجر.

وهكذا يأتي الإسبان إلى الدول العربية، لإنقاذ الإرث الأموي ولتشجيع الباحثين العرب، على النبش في تاريخهم، وتعريف السياح به، في فترة يبدو فيها المشهد التاريخي كما الجغرافي، أكثر ضبابية من أي وقت مضى.