يتميز ميرفين إيه كينغ محافظ «بانك أوف إنغلاند»، بشخصية هادئة وذكية، إضافة إلى أنه لا يهوى اجتذاب الأضواء، مما يجعله في صورة متناقضة مع نظرائه الأكثر صراحة وحديثا إلى وسائل الإعلام في فرانكفورت وواشنطن. إلا أن الفترة الراهنة تشهد تصاعد مشاعر غضب شديد على جانبي المحيط الأطلسي بسبب المكافآت الضخمة التي يتقاضاها موظفو المصارف. وبذلك، وجد كينغ نفسه في طليعة حركة متنامية تدعو المصارف الكبرى لضرورة فصل نشاطاتها بمجال المضاربة مرتفعة المخاطرة والاستثمار المصرفي عن مهامها الرئيسة بمجال الاحتفاظ بالودائع. الأسبوع الماضي، حقق مقترح مشابه تقدم به بول فولكر رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي السابق، تقدما، حيث أصاب الرئيس أوباما «وول ستريت» بصدمة بطرحه مقترحا يقضي بحظر مشاركة المصارف الكبرى التي تجمع ودائع من عملاء في نشاطات المضاربة العقارية. على الجانب الآخر وفي أثناء جلسة الاستماع أمام اللجنة البرلمانية البريطانية المعنية بشؤون الخزانة، الثلاثاء، تحدث كينغ بنبرة تعد الأقوى من جانبه حتى الآن، معلنا تأييده لهذا الفصل. وخلال حديثه، أشاد بأوباما لتحركه في هذا الاتجاه بهذه السرعة. وقال: «اتسمت الولايات المتحدة بقدر أكبر من الانفتاح تجاه التحرك نحو نظام مصرفي أكثر أمنا عما لديه الحال عندنا. إذا قمت بحماية ودائع التجزئة، تصبح حينئذ التصريحات حول عدم دفع أموال لإنقاذ أي مؤسسة أخرى ذات مصداقية».
وسعيا لشرح وجهة نظره بأن مجرد تعزيز التنظيمات وفرض متطلبات بتوفير رأسمال أعلى لن تكون كافية للحيلولة دون وقوع أزمة مصرفية، أشار كينغ إلى «سيتي غروب» - الذي كان يجري النظر إليه في وقت سابق باعتباره نموذجا يضم جميع المهام المصرفية تحت سطح واحد. وأوضح أنه «في مبنى هذا المصرف، كان هناك ممثلون من هيئات تنظيمية وأربعة من أبرز الشخصيات بعالم الصرافة»، مشيرا إلى ستانفورد ويل، العقل المصمم وراء «سيتي غروب»، وروبرت إي. روبين وزير الخزانة السابق، وستانلي فيشر مسؤول صندوق النقد الدولي السابق، وويليام رودز المصرفي الدولي البارز. وأكد أنهم «لم يخططوا لتدمير (سيتي غروب)، لكن عندما تبني مؤسسة ضخمة معقدة، تقع مثل هذه الأمور. وهذا هو السبب وراء الدعوة إلى محاولة خلق حوائط صد».
وطبقا للقوانين الصادرة في ما بعد حقبة الكساد، لم يسمح للمصارف التي تشكل شركات قابضة داخل الولايات المتحدة بامتلاك مصارف استثمارية قبل عام 1999. في المقابل، لم يوجد مثل هذا الفصل داخل أوروبا قط. في الواقع، حتى الأسبوع الماضي، قوبلت هذه الفكرة بانتقادات شديدة، وكانت أقرب إلى كونها قضية نظرية تدور حولها نقاشات أكاديمية عن تشريع يمكن تطبيقه فعليا. وتوقع آخرون أن الفكرة ستُسحق حتما تحت وطأة جماعات الضغط المصرفية القوية حال مجرد اقترابها من التحول إلى قانون. في الواقع، ينظر البعض بالفعل إلى هذه الفكرة باعتبارها تجسد سياسات كينغ الحازمة إزاء ما هو صائب وما هو خاطئ بالنسبة إلى الأسواق - وهي فكرة تصادف في هذه الحالة تناغمها مع الحالة المزاجية العامة.
من ناحيتها، علقت ديان جوليوس، الخبيرة الاقتصادية البريطانية البارزة، بقولها: «أعتقد أن ميرفين أكثر اهتماما بالأخطار الأخلاقية عن غيره»، في إشارة إلى وجهة النظر القائلة بأن إنقاذ المصارف عبر تقديم إعانات مالية أو فرض تخفيضات كبرى في معدلات الفائدة لا يسفر سوى عن مزيد من التشجيع للسلوك المتهور الذي تسبب في المشكلات الراهنة من الأساس. وأبدت جوليوس، العضو السابقة في لجنة صنع السياسات داخل «بانك أوف إنغلاند»، اختلافها في الرأي مع مقترح كينغ بخصوص المصارف، لكنها اعترفت بأنه «يؤمن بشدة بضرورة فرض نظام صارم على السوق، ولديه ميل إلى الالتزام بنظرية بعينها ودفع العالم بأسره للالتزام بها. يُذكر أن غوردون براون، رئيس الوزراء، الذي أطلق في وقت سابق كرات لهب على المصرفيين تمثلت في مقترح بفرض ضريبة بقيمة 50 في المائة على المكافآت التي يتقاضاها المصرفيون، أعلن، الثلاثاء، أن المصارف البريطانية ليست بحاجة إلى مثل هذا التغيير.
الشهر الماضي، ألقى روبرت دياموند، رئيس مصرف «باركليز» الذي سيكون أحد أكثر المصارف تأثرا بالتغيير المقترح حال إقراره، سلسلة من الخطب دافع فيها عن النموذج المصرفي العالمي الراهن.
من ناحية أخرى، أكد كينغ أن «المصارف تتصارع حتما». الملاحظ أن كينغ استخدم لغة حادة في التعبير عن وجهة نظره التي دارت في مجملها حول ضرورة تقليص المصارف التي باتت أكبر وأكثر إدرارا للربح. يُذكر أن كينغ (61 عاما) سبق له العمل بروفسورا في التمويل بكلية لندن للاقتصاد، ويشتهر بالمثابرة والعناد. عام 2007، في الوقت الذي خفضت المصارف المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا معدلات الفائدة على نحو بالغ، أصر كينغ على الإبقاء على معدلات الفائدة البريطانية دونما تغيير، معللا ذلك بأن أي إجراء تيسيري من شأنه مكافأة السلوك المصرفي الخاطئ. في أعقاب انهيار مصرفي «نورزرن روك» و«ليمان براذرز»، غيّر كينغ اتجاه سياساته. وأصبح «بانك أوف إنغلاند» ربما أكثر المصارف المركزية قوة في ما يخص إضافة سيولة إلى الاقتصاد عبر شراء سندات حكومية.
إلا أنه في أعقاب هذا الإجراء غير المسبوق، أصبح كينغ أكثر تشبثا بالنظريات في وجهة نظره حيال ضرورة إجبار المصارف الكبرى التي استفادت من الإجراء من تكبد ثمن، وأن يكون هذا الثمن ضخما بدرجة تكفل عدم إقدامها ثانية قط على تهديد سلامة النظام المالي العالمي. في الشهادة التي أدلى بها، قال كينغ إنه كان يفكر بشأن كيفية تناول المخاطر المرتبطة بالمصارف الضخمة منذ عام 2007، مع بدء ظهور المؤشرات الأولى على الأزمة. إلا أن المرة الأولى التي اقترح خلالها الفصل المصرفي سالف الذكر باعتباره السبيل الوحيد لاستعادة ثقة الرأي العام كانت في يونيو (حزيران) الماضي، في خطاب ألقاه أمام حشد من مسؤولي الصناعة المالية.
وقال: «كلمتي هي سندي» باتت عبارة قديمة. أما عبارة «كلمتي هي التزامات الدين المغطاة بأصول» فلن تلقى رواجا قط، وذلك في إشارة إلى واحدة من الأدوات المالية تتحمل اللوم عن التسبب في إثارة الأزمة المالية. منذ هذا الخطاب، تحول كينغ إلى بطل في أعين الكثير من الأكاديميين وآخرين ممن يناصرون فرض إجراءات أكثر صرامة على المصارف. ويعد لورانس كوتليكوف، البروفسور بجامعة بوسطن الأميركية، واحدا ممن ينصت إليهم كينغ. وتراود كوتليكوف الرغبة في إعادة بناء جميع المؤسسات المالية - من صناديق التحوط وصناديق الاستثمار في أسهم خاصة، علاوة على المصارف الاستثمارية والتجارية - نفسها إلى صناديق استثمارية تعاونية، مما يعني أنه لن يسمح بالاقتراض بهدف زيادة حجم استثماراتها، وذلك بهدف منع المراهنات التي تسفر عن تفاقم الديون وتترك تداعيات كارثية. ويوحي إقرار كينغ لمثل وجهة النظر تلك بالنسبة إلى الصناعة المالية برمتها بأنه قد يرمي إلى التحرك إلى ما هو أبعد مما وصل إليه أوباما. يُذكر أنه أشار إلى كوتليكوف مرتين في شهادته، الثلاثاء.
من جانبه، ذكر كوتليكوف، الذي عرض الفكرة على «بانك أوف إنغلاند» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن كينغ «مهتم بهذه الفكرة، ويدرك عمق المشكلة».
* خدمة «نيويورك تايمز»