أزمة الديون تزعزع استقرار الاقتصاد الأوروبي

تعثر اليونان ينعكس على المستثمرين في أنحاء العالم حيث 70% من سنداتها لدى كيانات أجنبية

مقر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت («الشرق الأوسط»)
TT

واجهت الحكومات داخل أثينا ومدريد ولشبونة صعوبات، الجمعة، بينما كانت تسعى إلى تبديد مخاوف من وقوع أزمة ديون داخل أوروبا، تؤدي إلى تراجع قيمة اليورو، وسيكون لها تبعاتها في مختلف الأسواق العالمية. وفي الوقت نفسه، تعهدت سلطات باتباع سياسة تقشف مالي، وتقليل العجز الكبير داخل ميزانياتها. ومع ذلك، تكمن المشكلة في عدم تصديق المستثمرين لهم فيما يبدو.

وقلل مسؤولون كبار داخل هيئات التقييم البارزة، الجمعة، من خطر حدوث أزمة ديون قريبة، وقالوا إنه حتى دول مثل اليونان لديها احتياطي يكفي لإرجاء يوم حساب مالي لأشهر من الوقت الحالي. ولكن، تسببت شكوك المستثمرين بخصوص استعداد اليونان والبرتغال وغيرهما من الدول لتصحيح أرصدتها، في أزمة ثقة تستشري داخل أسواق الأسهم وسندات الشركات في مختلف أنحاء أوروبا، وفي خارجها. وينال ذلك على وجه الخصوص من المصارف والمؤسسات الأخرى، التي تواجه مخاطر واسعة متعلقة بالديون السيادية الخاصة بالبرتغال وأيرلندا واليونان وإسبانيا.

وتهدد حالة الذعر بين صفوف المستثمرين بأن ترفع تكلفة الاقتراض بالنسبة إلى الكثير من الدول في مختلف أنحاء العالم بدرجة كبيرة، وبزعزعة الاستقرار في أسواق العملة العالمية، علما بأن القيمة المتراجعة لليورو والمتزايدة للدولار تؤثر في المصدرين الأميركيين، حيث تجعل بعض البنود مثل اللحم البقري الأميركي، والصلب الأميركي أغلى ثمنا خارج البلاد. وتراجعت قيمة العملة الأوروبية الرئيسية، اليورو، إلى أقل مستوياتها خلال ثمانية أشهر، وبلغت نسبة التراجع مقابل الدولار 1 في المائة.

وتتكشف أزمة داخل أوروبا لها أوجه شبه مع أزمات ديون أخرى ضربت أميركا اللاتينية وآسيا في الماضي، ولا سيما في الطريقة التي انتشرت بها مشكلات اليونان بسرعة كبيرة إلى دول أخرى داخل المنطقة تعاني أوجاعا اقتصادية مماثلة.

ولكن ثمة اختلافات كبرى، فقد ذكر المحللون أن اقتصادات كبرى داخل منطقة اليورو، وتحديدا ألمانيا وفرنسا، من المقرر أن تتدخل لمنع حدوث تعثر داخل دول مجاورة ضعيفة، ولو بهدف تجنب الاضطرابات التي تظهر في أسعار اليورو، ولكن يخشى محللون من أن المشكلات داخل أوروبا قد تمتد إلى أسواق ناشئة. وعلى الرغم من أن احتمالات حدوث تعثر داخل اليونان منخفضة، فإن آثارها سوف يشعر بها مستثمرون في مختلف أنحاء العالم، وداخل الولايات المتحدة، حيث إن 70 في المائة من السندات اليونانية لدى كيانات أجنبية، بدءا من صناديق المعاشات إلى المصارف التجارية العالمية. ويرفع المستثمرون أيضا تكلفة التأمين ضد التعثر إلى مستويات جديدة داخل اليونان وإسبانيا والبرتغال. ويقول محللون إن هذه المخاوف قد تكون صحيحة في بعض الحالات.

وخلال الأيام الأخيرة، استشرت حالة من الذعر مرتبطة بالديون داخل البرتغال بعد ظهور ذلك في اليونان نهاية العام الماضي، وتعهد مسؤولون برتغاليون بتقليل النفقات. ومع ذلك، مرر مشرعون معارضون، الجمعة، مشروع قانون مثير للجدل، فيتم تمرير عشرات الملايين من اليوروهات إلى جزر الأزور وماديرا، في خطوة حذر وزير المالية داخل البلاد صراحة من أنه ربما تنتج عنها «عواقب خطيرة بالنسبة إلى الأرصدة العامة داخل البرتغال».

ويخشى المحللون في اليونان وإسبانيا أيضا حدوث اضطرابات مدنية قد تقلل من وطأة محاولات تهدف إلى معالجة المشكلات المالية. وكانت الحكومة اليونانية قد تعهدت بتقليل النفقات، والحد من مدفوعات القطاع العام الأمر، الذي تسبب في احتجاجات داخل أثينا يوم الخميس. وترك مسؤولو الجمارك وموظفو الضرائب أعمالهم في أول التحركات في إطار عملية تعبئة منظمة ضد إجراءات التقشف الحكومية، المقرر لها أن تستمر الأسبوع المقبل.

وعلى الرغم من أن مسؤولين لدى الاتحاد الأوروبي، يطالبون بتقليل النفقات، وأقروا خطة خاصة باليونان، فإنهم سيرسلون فريقا لمراجعة أرصدة حكومية وُجد في نهاية العام الماضي أنها قللت بشكل كبير من مدى المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد.

وداخل إسبانيا، تعهدت قيادات نقابية حكومية، الخميس أيضا، بسلسلة من الاحتجاجات ضد تخفيضات مخطط لها، فيما هددت أحزاب بإجراء تصويت لسحب الثقة من رئيس الوزراء خوسيه لويس رودريجيز ثاباتيرو. ويشير محللون إلى أنه حتى الوقت الحالي لم تمض سوى أيرلندا تجاه خصومات جدية، أظهرت من خلالها رغبتها على التعامل مع العجز الضخم لديها، وذلك بعد أن تلقت سنداتها الضربة الأشد خلال الأزمات الحالية.

ويقول ستفين بيل، الاقتصادي البارز في صندوق التحوط «جي إل سي» الذي يتخذ من لندن مقرا له: «يحتاج علاج تلك المشكلة إلى حل سياسي، وليس من السهل إقناع المواطنين أو الساسة بقبول هذا النوع من العلاج».

وقال محللون إن بعض أصحاب المؤسسات يقومون بإغراق السندات اليونانية تحديدا بسبب قواعد اقتراض أكثر حزما ستعود إلى حيز التطبيق من جديد نهاية العام الحالي داخل البنك المركزي الأوروبي. ويسمح المركزي الأوروبي للمصارف، وبما فيها تلك التي تحوز حصصا مهمة من السندات اليونانية، بأن تقدم استثمارات أكثر عرضة للمخاطر كضمان للديون من أجل مساعدتها خلال الأزمة المالية.

ولكن، سيشدد المصرف المركزي هذه المعايير نهاية العام الحالي، حيث سيكون مسموحا للمصارف فقط باستخدام السندات ذات التقييمات الأعلى كضمان. ونتج عن مخاوف من خسارة تقييمات السندات اليونانية وضعيتها الاستثمارية خلال الأشهر المقبلة إلى قيام بعض البنوك ببيعها بالخسارة. ويقول ستيفن ميجور، رئيس أبحاث الدخل الثابت في «إتش إس بي سي» في لندن: «عندما يرى المستثمرون تقييمات هذه السندات تتراجع، فلا يمكنهم الانتظار إلى وقت آخر، ولذا نجدهم يتخذون إجراءات حاليا، ويصفونها بخسائر كبيرة داخل السوق».

وسيؤدي أي تعثر تمنى به اليونان أو أي دولة أخرى من بين الدول الـ16 في منطقة اليورو إلى نتائج كارثية محتملة تعاني بسببها المنطقة، ويقول محللون إن ذلك سينجم عنه طرد محتمل من الاتحاد المالي، وتقييم شديد لصحة عملية التكامل المالي داخل أوروبا. ويقول معظم المحللون إن مراكز القوة الاقتصادية داخل منطقة اليورو قد تهب لتقديم يد العون إلى اليونان، التي تعد حاليا الدولة الأكثر معاناة من الاضطرابات داخل المنطقة، بالصورة نفسها التي ساعدت بها واشنطن المكسيك في التسعينات. وقدم مسؤولون أوروبيون إشارات متضاربة بخصوص استعدادهم للقيام بذلك.

ولكن، يقول محللون إن البديل حال إنقاذ صندوق النقد الدولي لإحدى دول منطقة اليورو، سيكون محرجا بدرجة كبيرة للقوى الكبرى داخل أوروبا، التي سوف تختار مساعدة اليونان.

ويتزايد الشعور بالقلق لدى محللين بخصوص العجز في الميزانية الأميركية، الذي لا يزال أكثر من العجز الذي تعانيه معظم دول منطقة اليورو. ولكن، لا تتمتع اليونان وإسبانيا ودول أخرى متعثرة داخل أوروبا بالسطوة الاقتصادية نفسها التي تتمتع بها الولايات المتحدة، وفي الكثير من الحالات لم تتخط الدول حتى الآن مرحلة الركود الكبير.

وعلى سبيل المثال، أوردت إسبانيا، الجمعة، أنها لم تنج من الركود الاقتصادي حتى الآن، وأعلنت أن اقتصادها تراجع بنسبة 0.1 في المائة خلال الربع الأخير من عام 2009. وتقترب معدلات البطالة داخلها من 20 في المائة، ولا تزال تسقط في غمار أزمة عقارات على النمط الأميركي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»