«كاوست».. الجانب الاقتصادي

سعود الأحمد

TT

عندما تم افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، «كاوست»، في ذلك اليوم البهيج، الذي تزامن مع ذكرى تأسيس السعودية، كانت التغطيات والتصريحات والمقالات تتحدث عن المناسبة، بتركيز على إسهام الجامعة في الجانب التقني. وهناك من أضاف أن «كاوست» معول لنقلة حضارية على الأصعدة العلمية والحضارية والسياسية. ولا غرابة في ذلك، فقد خرجت «كاوست» من رحم «أرامكو» السعودية، لكن الملاحظ أن الجانب الاقتصادي قد غاب عن التغطيات لهذه الجامعة، في وقت نستطيع أن ننظر إلى «كاوست» على أنها مشروع استثماري في مجال التعليم والاقتصاد المعرفي. والتعليم، بلا أدنى شك، من أنجح المجالات الاستثمارية طويلة الأمد.

ولعلها مناسبة هنا للحديث عن أحد تعريفات الاقتصاد المعرفي بأنه القيمة المضافة إلى المادة الخام المصنعة. فعلى سبيل المثال، الهاتف الجوال الذي نشتريه بملغ ألف أو ألفي ريال، قد لا تزيد قيمة المواد المكونة له على عشرة ريالات! والفارق فيما بين القيمة الأساسية والقيمة السوقية يعود إلى ما أضيف على هذه السلعة من تقنيات أساسها المعرفة. وبعبارة أخرى، فإن القيمة السوقية لغالبية السلع، إذا لم تكن جميعها، يتحدد سعرها في السوق بمقدار منفعة التقنيات التي تتميز بها وجودتها وندرتها، وليس بالقيمة الفعلية لمكوناتها من مواد خام. هذا المفهوم أعطى أهمية لنقل المعرفة أو التقنية وبناء الصروح العلمية، ومنها جامعة «كاوست».

وعليه، فمن المنتظر من «كاوست» أن تسهم في نقل الاقتصاد المعرفي وتوطينه، وتخريج الكوادر الداعمة لعجلة الصناعة في التقنيات المتقدمة، باعتبار «كاوست» نواة لمصنع الطاقات البشرية في المجال المعرفي، وصرحا علميا شامخا يحتضن النوابغ والنجباء في تخصصات التقنية المتقدمة، بالنظر إلى امتلاكها لأهم مقومات البيئة الصناعية، وإيمانا من القيادة وجميع شرائح المجتمع السعودي بأن الصناعة هي خيارنا الاستراتيجي، وأنها الطريق الأمثل لحل مشكلاتنا الاقتصادية المزمنة، والتي منها البطالة والفقر والتحويلات النقدية الخارجية.

لكن التغطيات الإعلامية التي صاحبت الحدث، لم تتحدث عن تكاليف البعثات الخارجية للطلبة السعوديين، حيث تشير الإحصاءات إلى أن تكلفة البعثات الخارجية قد بلغت 15 مليار ريال خلال السنوات الخمس الماضية. ناهيك عن المخاطر والآثار والتبعيات التي يمكن أن توفيرها وتلافيها، وما يمكن أن تسهم به هذه الجامعة ليصب في مصلحة توطين المعرفة الأكاديمية. وإن كنت لا أتصور أن تغني جامعة واحدة عن الحاجة إلى الابتعاث الخارجي، لكنني على يقين بأنه نوع من الاستثمار المجدي في العنصر البشري القابل للتوالد المتيسر، إضافة إلى كونه مدعاة لتوفير مبالغ طائلة كانت تصرف على عدد ضخم من المبتعثين السعوديين للدول المتقدمة.

ختاما.. إنها فرصة لنبرهن بالأفعال لا بالأقوال، أن الدين الإسلامي هو ما قاد البشرية برسالة «اقرأ»، ونقلها من الجهل والضلال، إلى النور والرشاد. والقيادة السعودية هي من بدأ رسالة التعليم على بسط وأحصرة على أيدي «الكتاتيب»، إلى أن أوصلتها لتواكب مجتمعات تقنية «النانو».

* كاتب ومحلل مالي