لبنان: إرباك في تقدير الناتج المحلي وترقبات النمو بفعل التباين الصريح في تقديرات المؤسسات الدولية

وزارة المال تسعى لاعتماد نموذج علمي موحد

TT

طرح تباين التقديرات حول نسبة النمو الاقتصادي المسجلة في لبنان خلال عام 2009 الماضي، تحديا جديا أمام الحكومة لتكليف مرجعية رسمية بجمع البيانات والإحصاءات واعتماد نموذج علمي ومتطور يحدد مكونات المؤشر، ويخلص إلى إعلان نتائج موحدة تحول دون تحويل الأرقام إلى «وجهة نظر» بسبب الفوارق المحسوسة بين النسب والتقديرات المعلنة.

وعلم أن وزارة المال، بالتعاون مع إحدى المؤسسات الأجنبية المتخصصة، وبالتنسيق مع البنك المركزي والهيئات الحكومية والخاصة المعنية بالإحصاءات، تزمع إعداد مشروع متكامل لإعداد مؤشر علمي - إحصائي لقياس الناتج المحلي ومكوناته ومصادره، بما يفضي إلى تحديد القيمة الحقيقية للناتج في نهاية العام الماضي. التي تتراوح، وفق التقديرات المتباينة بين 32 و34 مليار دولار.

ويكتسب هذا المشروع، أهمية إضافية نظرا للثقل الذي يمثله الدين العام قياسا إلى الناتج في أعداد الموازنة، وفي التصنيف السيادي. فالأصل، في الأزمة المالية المستعصية في لبنان، أن الديون الحكومية البالغة نحو 51 مليار دولار تماثل حاليا نحو 150 في المائة إلى الناتج وهي من أعلى النسب السلبية في العالم، ووصلت سابقا إلى نحو 180 في المائة بسبب التنامي المتواصل للدين بنسب تفوق نسبة النمو، وطالما ركزت الحكومات المتعاقبة على تكبير حجم الاقتصاد كوسيلة ناجعة لاستيعاب الدين العام، وتخفيف انعكاساته الكابحة للنمو. وفي سياق التباين الصريح في تقديرات نسب النمو المعلنة من قبل مؤسسات مالية وبحثية إقليمية ودولية، فاجأ معهد التمويل الدولي الجميع، بمن فيهم الأكثر تفاؤلا، بإعلانه رفع النمو المتوقع للناتج المحلي الإجمالي في لبنان إلى 8.7 في المائة لعام 2009، أي الأعلى في المنطقة متجاوزا نسبة النمو في قطر، وذلك بدلا من 7 في المائة، بحسب تقديراته السابقة، التي أعلنها في أغسطس (آب) 2009، متوقعا في الوقت ذاته أن يبقى النمو الحقيقي في لبنان قويا عام 2010 أي في حدود 6 إلى 7 في المائة.

وورد التقرير الجديد للمعهد في النشرات الدولية لمصارف لبنانية كبرى، وفيه «أن معظم الاقتصادات الناشئة عانت تباطؤا حادا عامي 2008 و2009، فيما تمتع لبنان بنمط نمو مدهش لجبه التقلبات الدورية، فالأداء القوي للاقتصاد اللبناني عام 2009، يعود إلى التدفق القوي للرساميل من قبل المغتربين اللبنانيين ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي التي حفزتها اضطرابات الأسواق الإقليمية والعالمية، وتحسن الوضع الأمني وسلامة القطاع المصرفي».

ورأى أن النمو الاقتصادي القوي والمتواصل يتيح فرصة لمزيد من التصحيح المالي وخفض الديون، متوقعا أن يزيد الفائض الأولي من 2.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2009 إلى 3.5 في المائة عام 2010 في حال عدم الخصخصة، كما أن النمو في الناتج المحلي الاسمي بنحو 11 في المائة، من شأنه أن يخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 153 في المائة عام 2009 إلى 147 في المائة عام 2010 (من دون الخصخصة)، أما في حال الخصخصة، فمن المتوقع أن تتراجع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 133 في المائة نهاية 2010 «على افتراض أن قيمة تخصيص شركتي الاتصالات تبلغ نحو 5 مليارات دولار».

وكان البنك الدولي قد توقع أن يسجل لبنان خلال العام الحالي نموا قدره 7 في المائة بالتساوي مع ما سجله خلال عام 2009، وأن عجز ميزان الحساب الجاري بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان قد يصل إلى ما يقارب 15.2 في المائة هذا العام، قبل أن يتراجع في العام المقبل إلى 14.2 في المائة، علما أنه سجل عام 2009 عجزا بنحو 14.3 في المائة.

وذكر تقرير البنك «أن تراجع النشاط الاقتصادي في دول الخليج وأوروبا انعكس سلبا على الدول التي تستفيد من تحويلات المغتربين، لكن لبنان كان من بين الأقل تأثرا، ذلك أن التحويلات الخارجية لم تتراجع إلا بنسبة ضئيلة تتراوح بين واحد في المائة و3 في المائة على أقصى تقدير».

في المقابل، حافظت مجموعة «هيرمس» الاستثمارية على توقعاتها السابقة الخاصة بالنمو في لبنان عند 4 في المائة خلال العام الحالي بانخفاض عن المعدل الذي كان متوقعا لعام 2009 البالغ 6 في المائة، كما أبدت تشاؤمها حيال الفرص الحقيقية لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية في العام الحالي، معتبرة «أن فرص حكومة الوحدة الوطنية الجديدة تبدو ضئيلة في معالجة ملفي العجز المالي وعبء الدين العام».

وأشارت إلى أن لبنان من المفترض أن يسجل عامي 2010 و2011 فوائض في ميزان المدفوعات كما كان الحال عام 2009، لكنها حذرت من أن أي خلل في عوامل الجذب لا سيما الاستقرار السياسي من شأنه أن يؤثر في ميزان المدفوعات، كما توقعت «هيرمس» أن يصل معدل التضخم إلى 3 في المائة بنهاية العام الماضي وإلى 3.5 في المائة بنهاية العام الحالي، وأن ينمو الإقراض للقطاع الخاص بنحو 12 في المائة خلال العام الحالي مقارنة مع 15 في المائة في العام الماضي، واعتبرت أن الدين العام الخارجي سيصل إلى 64 في المائة من الناتج المحلي بنهاية 2010 وإلى 60 في المائة عام 2011 فيما ينتظر أن يرتفع الدين العام المحلي إلى 89 في المائة من الناتج بنهاية هذا العام وإلى 88 في المائة بنهاية العام المقبل.

من جانبه توقع «ستاندرد تشارترد بنك» البريطاني، أن يسجل لبنان نموا يصل إلى 4 في المائة خلال العام الحالي، بالتساوي مع الأردن وإيران وسلطنة عمان وهو ثالث أعلى معدل نمو من بين 15 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما يأتي هذا المعدل في المرتبة 23 من بين دول الناشئة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

ورأى أن معدل التضخم قد يبلغ نحو 4.5 في المائة عام 2010 أسوة بما هو متوقع للكويت، وهو في المرتبة التاسعة من بين المعدلات الأكثر انخفاضا، لكن المصرف توقع أن يبلغ عجز الحساب الجاري نحو 9.5 في المائة من الناتج المحلي عام 2010 وهو أعلى عجز بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

أما «ميريل لينش»، فتتوقع أن يسجل لبنان نموا قدره 5 في المائة خلال العام الحالي، بالتساوي مع مصر وروسيا، وهو المعدل الثالث لناحية الارتفاع من بين الدول الناشئة في أوروبا وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ورأت أن مؤشر أسعار المستهلكين سيسجل 4.5 في المائة مقارنة بـ2 في المائة خلال العام الماضي، وهو سادس أدنى معدل للتضخم من بين 15 دولة في المنطقة، وتكهنت أن يبلغ عجز الحساب الجاري نحو 9.1 في المائة من الناتج هذا العام ارتفاعا من 7.7 في المائة سجلت خلال العام الماضي، وهو أعلى معدل من بين 15 دولة في المنطقة.

كما رأت أن نسبة الدين العام إلى الناتج ستسجل نحو 152 في المائة بنهاية عام 2010 انخفاضا من 159 في المائة من الناتج مسجلة بنهاية 2009، وأن يسجل عجز الموازنة تحسنا ليصل إلى 8.2 في المائة من الناتج المحلي خلال 2010، متراجعا من 9 في المائة سجلت خلال العام الماضي، لكنه لا يزال ثاني أعلى عجز من بين دول المنطقة بعد مصر.