يساهم قطاع الزراعة في تونس بنسبة 9 في المائة من الناتج الوطني الداخلي ويشغل 16 في المائة من اليد العاملة النشطة، بينما تمثل الاستثمارات في المجال الزراعي نسبة 10 في المائة من مجمل الاستثمارات في البلاد التونسية، وتمثل 21 في المائة من ناتج الدخل الخام الفلاحي. كانت هذه المعطيات ضمن دراسة للباحث التونسي منور العباسي، الذي قدم في إطار سلسلة من البدائل التي عرضها حزب حركة النهضة في تونس مؤخرا للرفع من مستوى الزراعة في بلاده بما في ذلك الاستثمارات الخاصة التي «تمثل 57 في المائة من الاستثمارات الفلاحية، بينما تمثل الصادرات الفلاحية بين 10 إلى 17 في المائة من مجمل الصادرات التونسية و26 في المائة من ناتج الدخل الخام الفلاحي».
وقال العباسي لـ«الشرق الأوسط»: «تونس تقع ضمن دائرة المناخ المتوسطي، المعروف بشح الأمطار غير المنتظمة في المواسم والشهور والسنوات، وقد بينت الإحصائيات أن البلاد تقع ضمن دورة مناخية لمدة 5 سنوات، سنتان ممطرتان وسنة متوسطة وسنتان جافتان». وتابع: «هذا يعني أن الجفاف معطى قار، يجب التعامل معه وفق تقويم يوسف عليه السلام لرؤية الملك في عصره، أي وضعه في الحسبان في أي سياسات زراعية مبنية على التقويم العلمي حاضرا ومستقبلا».
وحول واقع الفلاحة في تونس أشار إلى أن «الأراضي الفلاحية تمثل قرابة 72 في المائة من المساحة الجملية للبلاد، منها 5.4 مليون هكتار تتوزع على 40 في المائة من الأشجار المثمرة والتي تتكون في غالبيتها من غابات الزيتون و40 في المائة من الزراعات الكبرى أغلبها من الحبوب، والبقية زراعات مختلفة».
وذكر أن «الأراضي المملوكة للدولة تمثل 500 ألف هكتار منها 332 ألف هكتار مسلمة حاليا لشركات الأحياء والفنيين والفلاحين الشبان، و168 ألف هكتار تحت تصرف الدولة مباشرة». وحول أهم الموارد الفلاحية، أوضح أنه وقع إلى حد الآن «تعبئة قرابة 88 في المائة من المخزون الإجمالي للبلاد ونسبة الاستغلال بين 86 إلى 90 في المائة، من هذه الموارد، والمساحات السقوية تمثل قرابة 420 ألف هكتار يستغلها قرابة 124.500 مزارع أي بمعدل 3.4 هكتار ونسبة التكثيف قرابة 106 في المائة على نسبة تكثيف نظرية بين 140 إلى 150 في المائة»، وأن «هناك مجالا لتحسين الاستغلال للمناطق السقوية».
وبخصوص الموارد البحرية، أوضح أن تونس «تتمتع بشريط ساحلي مساحته 1350 كيلومترا وبها 41 ميناء صيد بحري، وقرابة 875 سفينة صيد في أعماق البحار وقرابة 10 آلاف زورق ساحلي، نسبة الاستغلال بين 50 إلى 60 في المائة، ومعدل الإنتاج 100 ألف طن منها 14 في المائة معدة للتصدير».
وبالنسبة للموارد الحيوانية «هناك قرابة 440 ألف رأس بقر من سلالات أصيلة ومهجنة بالتساوي، وهناك 4 ملايين رأس غنم وقرابة 800 ألف رأس من الماعز».
وحول أهم الخصائص الاجتماعية للفلاحين، أكد أن «هناك نسبة كبيرة من الأميين حيث نجد قرابة 46 في المائة من المزارعين لا يجيدون القراءة والكتابة. بما يشكل عقبة أمام التأقلم مع تكنولوجيات الزراعة الحديثة وتقبل الاقتراحات الفنية». كذلك «نلاحظ نسبة شيخوخة متزايدة في أوساط المزارعين حيث يمثل المزارعون الذين تجاوزوا الستين عاما نسبة 43 في المائة بينما كانوا 37 في المائة سنة 1995». وأردف: «نلاحظ أيضا أن 40 في المائة من المزارعين لهم نشاط أساسي خارج العمل الزراعي و44 في المائة فقط يخصصون أكثر وقتهم للعمل الفلاحي».
وعن مشاكل تقلص المساحات الزراعية سواء بسبب الإهمال أو التوريث وغيرها أفاد أن «هناك 516 ألف مزارع، متوسط المستغلات 10.5 هكتار و54 في المائة من المستغلات لهم مساحة أقل من 3 هكتارات وتغطي هذه المستغلات قرابة 11 في المائة من الأراضي فقط، في حين هناك نسبة 3 في المائة من المستغلات لها مساحة تزيد عن 50 هكتارا، ولكنها تغطي 34 في المائة من الأراضي».
وأوضح: «هناك نوعان من الزراعة في تونس، زراعة اجتماعية غير قادرة على إعالة الأسر التي تمتهنها، وهناك زراعة اقتصادية مرتبطة بالسوق ولها أهداف ربحية، ويترتب عن ذلك في المستقبل اعتماد وتطوير سياسات لدعم وتطوير هاتين النوعيتين من الزراعة».
وعن دور قطاع الماشية في الاقتصاد التونسي شدد العباسي على أن «قطاع تربية الماشية يحتل مكانة هامة في الإنتاج الفلاحي بتونس حيث يساهم بنسبة 37 في المائة ويأتي بعده قطاع الأشجار المثمرة بنسبة 26 في المائة ثم قطاع الخضراوات بنسبة 15 في المائة ثم قطاع الحبوب على تذبذبه بنسبة 14 في المائة، ثم الصيد البحري بنسبة 8 في المائة».
ويحتل إنتاج الحبوب أهم المنتجات الزراعية في تونس رغم أنه لا يحقق نسبة الخمسين في المائة من الاحتياجات المحلية «أهم الإنتاج الفلاحي منذ الستينات الحبوب والزيتون ثم يأتي في مرتبة أقل الإنتاج البحري والخضراوات وهي قطاعات تشهد ارتفاعا بطيئا منذ عدة عقود».
ولكون تونس تعتمد على نظامين للري وهما الأمطار والمياه الجوفية فإن الإحصائيات تبرز أن «القطاع السقوي يساهم بنسبة 40 في المائة من المنتج الفلاحي رغم محدودية مساحات الأراضي المخصصة لهذا الغرض».
وتصدر تونس زيت الزيتون والتمور والمنتجات البحرية والغلال والخضراوات. ويمثل زيت الزيتون نسبة تتراوح بين 50 إلى 60 في المائة من نسبة الصادرات الزراعية، ونسبة تتراوح بين 10 و17 في المائة (حسب السنوات) من جملة الصادرات التونسية عموما، بينما «هناك استقرار في نسبة الواردات وهي 11 في المائة، وأهم الواردات هي الحبوب بنسبة 32 في المائة، من الواردات الفلاحية، والسكر والزيوت ومواد مختلفة أخرى».
وقد تذبذبت مؤشرات مساهمة القطاع الفلاحي في الاقتصاد التونسي بين 17 في المائة ثم 15 في المائة ونزلت في التسعينات إلى 13 في المائة وفي العشر سنوات الأخيرة نزلت إلى 9 في المائة، حتى وصلت في وقت قريب جدا إلى نسبة 7 في المائة فقط. بينما كان القطاع الزراعي يشغل 45 في المائة من اليد العاملة وقد نزل المعدل حاليا إلى 16 في المائة. وتبعا لذلك لم تساهم الزراعة في تخفيض نسبة الفقر، ولا سيما بالريف. حيث تبلغ نسبة الفقر المطلق في تونس 11 في المائة، (حسب الإحصائيات الرسمية) وهناك إحصائيات مبالغ فيها تحدد نسبة الفقر في تونس بـ24.5 في المائة، وعتبة الفقر المدقع تصل إلى 5.3 في المائة.
ويعشش الفقر في البيئات الريفية، أكثر منه في المدينة، أي عكس ما كان سائدا في زمن مضى. وبما أن أهم ما يوجد في الريف هو الزراعة «فلا بد من أن تساهم الزراعة في توفير اليد العاملة والعيش الكريم لسكان الأرياف، وتساهم بالتالي في التخفيض من نسبة الفقر وزيادة المساهمة في تحسين الاقتصاد بالبلاد».