خبراء: انتعاش الاقتصاد الأميركي ليس فورة اقتصادية

يتوقعون زيادة معدلات التوظيف خلال الربيع المقبل

إنفاق المستهلك أكبر مكون في الناتج المحلي الإجمالي - وفي النشاط الاقتصادي ككل (أ.ف.ب)
TT

أعلنت الحكومة الأميركية أن الاقتصاد الأميركي حقق معدل نمو بلغ 5.7 في المائة في نهاية العام الماضي، مقدمة أقوى دليل حتى الآن على أن البلاد ستتجنب العودة إلى مرحلة الركود.

وكان معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي، وهو المؤشر الأوسع لقياس النشاط الاقتصادي في البلاد، الأعلى على مدار ستة أعوام. بيد أن خبراء الاقتصاد حذروا من أنه ليس من المحتمل أن تستمر هذه الوتيرة من النمو ومن أن الاقتصاد سينمو بمعدل أكثر بطئا خلال الأشهر المقبلة.

وقال جون سيلفيا، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة «ويلز فارغو للخدمات المالية»: «نستطيع الآن القول إن هذا يمثل انتعاشا مستداما. إن ذلك بالتأكيد ليس فورة اقتصادية، ولكنه انتعاش بطيء مطرد».

وقدمت التفاصيل الواردة في تقرير وزارة التجارة عددا من الأخبار المبشرة؛ تشمل أن الشركات استثمرت مزيدا في الأجهزة والبرمجيات، وأن الصادرات ارتفعت بمعدل جيد، وأن إنفاق المستهلك كان مستقرا. وهناك اعتقاد متنام بأن الركود انتهى خلال الصيف الماضي.

بيد أن أكبر العوامل إسهاما في النمو كان أن الشركات، التي لا تزال متباطئة في توفير الوظائف، خفضت المخزون من السلع لديها بمعدل أقل بكثير من ذي قبل. وعلى مدار عامين، خفضت الشركات بقوة البضائع المعروضة والمخزنة، ومن ثم كانت معدلات الإنتاج أقل. وبعد كل هذه التخفيضات، تحتاج الشركات الآن إلى إعادة ملء مخازنها من جديد، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الإنتاج.

وكان السحب المتباطئ من المخزون يمثل أكثر من نصف النمو في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الرابع من العام الماضي. والناتج المحلي الإجمالي هو قيمة جميع الخدمات والبضائع المنتجة داخل الولايات المتحدة.

وقال برنارد باومول، الخبير الاقتصادي العالمي البارز في مجموعة «أوت لوك» الاقتصادية إنه «حتى الآونة الأخيرة، كان كلما زاد الطلب، لجأت الشركات إلى المخزون للوفاء بهذه الزيادة، لكن عند نقطة معينة، فإن جميع الموجودات في المخازن لديك ستنفد، لذا عليك البدء في الإنتاج مرة أخرى، وسوف يزيد ذلك من نمو الناتج المحلي الإجمالي ويوفر مزيدا من الوظائف».

لكن النمو في المخزون مؤقت، لذا في الأشهر المقبلة لن يكون النمو الاقتصادي كبيرا.

وعموما، كان النمو أعلى بنقطة مئوية بالمقارنة مع توقعات المحللين، مما يعكس دلائل القوة التي تكمن وراء المخزون.

والسؤال المهم الآن هو: ما المدة التي يحتاجها النمو في الإنتاج، الذي بدأ في الصيف الماضي، ليقود إلى خلق وظائف جديدة؟ ويتوقع الخبراء حدوث نمو في التوظيف خلال الربيع المقبل، ربما بحلول فبراير (شباط) أو مارس (آذار). وستتحسن الأرقام الخاصة بالتوظيف في بداية العام الحالي بفضل التوظيف المؤقت في إجراء الإحصاء السكاني الذي يتم مرة كل عشرة أعوام.

وحتى الآن تلبي الشركات الطلب الأعلى على منتجاتها عن طريق الضغط على الموظفين الحاليين، مما أدى إلى فورة إنتاجية. لكن هناك علامات على أنهم قد لا يكونون قادرين على الاستمرار في ذلك لمدة أطول. فعلى سبيل المثال، ارتفع التوظيف في الخدمات المؤقتة خلال الأشهر الأخيرة، ويشير ذلك إلى أن الشركات توظف على الأقل عمالة مؤقتة، إذا لم يكن لديها درجة كافية من الثقة تدفعها لتوظيف عمالة دائمة.

ويعد إنفاق المستهلك أكبر مكون في الناتج المحلي الإجمالي - وفي النشاط الاقتصادي ككل - وأظهرت البيانات الصادرة يوم الجمعة أن استهلاك الأميركيين بدأ يعود إلى المعدلات الاعتيادية. وارتفع الإنفاق المتعلق بالاستهلاك الشخصي بمعدل سنوي بلغ اثنين في المائة، في ظل ارتفاع حاد في مشتريات السلع غير المعمرة، مثل البقالة والملابس، التي من المتوقع أن تبقى لأقل من ثلاث سنوات.

وتأتي البيانات الخاصة بالاستهلاك متسقة مع تقارير تجار التجزئة، الذين يقولون إن الأميركيين لم يعودوا يقللون من نفقاتهم بدرجة كبيرة حتى وإن كانوا لم يرجعوا بعد إلى المستويات الشرائية لعام 2007. وأشارت مؤسسة «كونفرانس بورد» يوم الجمعة إلى أن ثقة المستهلك ارتفعت في الشهر الحالي لأعلى معدل لها في عامين.

وذكر سونغ ون سون، الخبير الاقتصادي بجامعة ولاية كاليفورنيا، أن «المستهلكين يقومون بدورهم في هذا الانتعاش الاقتصادي. ويعد سوق التوظيف المشكلة الرئيسية التي تواجه المستهلكين والاقتصاد. إلا أن سوق الوظائف في طريقه إلى تحقيق الاستقرار».

كما أن الشركات أصبحت أكثر ثقة من ذي قبل؛ فبعد عامين من الانخفاض الكبير في الاستثمار، ارتفع الإنفاق على شراء المعدات والبرمجيات خلال الربع الرابع من العام الماضي وللربع الثاني على التوالي بمعدل سنوي بلغ 13.3 في المائة. وتستطيع الشركات خفض الإنفاق على شراء المعدات كثيرا فقط قبل أن يصبح الإنفاق الجديد ضرورة عندما تصبح البرمجيات قديمة وتتعطل الماكينات. وربما حانت اللحظة التي لا يكون أمام الشركات أية خيارات سوى تنفيذ استثمارات جديدة. وربما تؤدي الثقة المتزايدة إلى المزيد من الوظائف.

ويأتي الاستثناء الوحيد في مجال العقارات، حيث انخفض الإنفاق على إنشاء المباني الإدارية والمخازن بواقع 15.4 في المائة، مما يعكس زيادة المعروض من المباني التجارية.

وواصل الاستثمار في مجال الإسكان إسهامه في النمو ليرتفع بواقع 5.7 في المائة، وهو الربع الثاني الذي يحقق فيه أرباحا بعد 14 ربعا متتالية من التراجع. وارتفعت الصادرات بمعدل سنوي جيد بلغ 18.1 في المائة، مما يعكس جزئيا انخفاض قيمة الدولار.

ولم يقدم الإنفاق الحكومي الضخم لدعم الاقتصاد أية دفعة صافية للنمو الإجمالي. وفي الوقت الذي ارتفع فيه الإنفاق الفيدرالي غير العسكري بمعدل 8.1 في المائة، انخفض الإنفاق على الجانب العسكري ومؤسسات الدولة والحكومات المحلية انخفاضا حادا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»