النضوب يهدد آبار النفط الإيرانية خلال عشرين عاما

خبراء لـ «الشرق الأوسط»: طهران لا تستطيع استخراج أكثر من 30% من طاقة آبارها

تراجع انتاج النفط الإيراني 11% في الحقول البحرية (رويترز)
TT

يواجه قطاع النفط في إيران أزمة قد تلحق به خلال السنوات القليلة المقبلة، فمع اعتماد ميزانية الدولة الكبير على النفط، الذي يشكل نحو 45 في المائة من دخلها، فإن نضوب النفط المحتمل لغالبية آبار النفط الإيرانية، يلقي بظلاله السلبية على قدرة اقتصاد البلاد على مواجهة المتطلبات الكبيرة للشارع الإيراني.

وطهران أول من استثمر في قطاع النفط في منطقة الشرق الأوسط، وفي السنوات الماضية وصل مخزون إيران من النفط إلى 126 مليار برميل، ما يشكل 10% من الاحتياطي العالمي، فيما حققت إنتاجا يوميا يقترب من أربع ملايين برميل، ومع الاستكشافات النفطية الحديثة ارتفع الاحتياطي إلى 133 بليون برميل، وهو ما يعني وصول إيران إلى مكانة الدولة الثانية في الاحتياطي العالمي بعد السعودية.

لكن النبأ الذي قد يهز صورة النفط كداعم رئيسي للاقتصاد ومصدر مهم لتمويل مشاريع كبيرة، على رأسها المشروع النووي الإيراني، هو المعلومات عن تراجع الإنتاج يوما إلى 8% في الحقول البرية و11% في الحقول البحرية، وفقا لوكالة الطاقة الأميركية، يضاف إليها تدن في مستويات النفط الطافي في الآبار لأسباب تقنية، وهو ما يعني أن أغلب حقول النفط الإيرانية ستنضب خلال عقدين من الزمان.

فهل ينضب النفط الإيراني خلال العقدين القادمين فعلا؟ لعل الإجابة عن هذا السؤال مهمة، للبحث عن أجوبة لأسئلة طارئة أيضا من قبيل: هل تدرك إيران ذلك؟ وهل من بدائل تفكر فيها إيران وترسم لها الاستراتيجيات؟

الأمر ممكن تماما، كما تقول لـ«الشرق الأوسط» كيتي دويان، الخبيرة النفطية من «بلاتس العالمية» لمعلومات الطاقة «فانخفاض مستويات آبار النفط أمر طبيعي على مستوى العالم، ويبلغ عمليا كمعدل وسط ما نسبته 7%، إلا أن نسبة انخفاض مستويات النفط في الآبار الإيرانية أكبر من ذلك»، وتضيف أن «آبار إيران تصنف بأنها تتعرض لأعلى نسبة تراجع في مستوياتها عالميا، يترافق ذلك اعتبار الآبار الإيرانية آبارا ناضجة، وتضخ النفط منذ ثلاثة عقود، عدا عن ذلك فالبنية التحتية للمشاريع النفطية في إيران ضعيفة وفي حاجة إلى تطوير، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي تشكل عبئا ضاغطا بقوة على قطاع النفط في إيران». تتابع دويان أن إيران «لا تستطيع استخراج أكثر من 27 إلى 30% من آبارها النفطية، وهذا منخفض جدا بالمقارنة بالمستوى العالمي للاستخراج، مما يعني أن هناك خسائر يومية تقدر بـ400 ألف برميل قد تصل إلى 700 ألف، وهو رقم خطير، وإذا استمر الوضع على ما هو، فقد يتراجع الإنتاج الإيراني بشكل حاد مع السنوات القادمة».

إلى ذلك، هناك تقنيات جديدة لتنشيط آبار النفط لا تمتلكها إيران بسبب العقوبات الأميركية عليها، وهذا سبب رئيسي في جعل البنية التحتية للقطاع متراجعة، «فعلى سبيل المثال، يضطر الإيرانيون إلى استخدام ما نسبته 18% من الغاز الطبيعي المستخرج لحقنه في الآبار بهدف رفع مستوى النفط الطافي لتسهيل استخراجه، وهذه النسبة من الغاز بدلا من أن تحول إلى مشاريع التنمية، توجه إلى تنشيط آبار النفط، ناهيك عن أن الإيرانيين يستخدمون طرقا تقليدية وقديمة في ضخ النفط».

العامل الآخر المهم أيضا، أن إيران تقع تحت عقوبات أميركية تحظر عليها استقدام شركات لتطوير حقولها، مما يعني أن إيران لن تستطيع الذهاب إلى استكشافات نفطية جديدة في مواقع جديدة، قد تكون موجودة بكثرة، في وضعها الحالي، وتعلق كيتي دويان على ذلك «لا بد أن تقوم إيران بإجراء استكشافات جديدة لتعويض الفاقد اليومي من النفط الإيراني، فطريقة الإنتاج الإيراني تحرق الحقل وتنهكه، وتزيد من كميات الغاز المحقون لرفع مستوى البئر، حتى أنهم على الرغم من الأحجام الكبيرة نسبيا في الإنتاج النفطي، فإنهم يشترون الغاز ولكن بكميات ضخمة لقلة المصافي لديهم».

في هذا الإطار.. أين الروس، وهم على علاقة معقولة بإيران ويمكنهم تعويضهم عن الحصار الأميركي؟ زياد عربية، الأكاديمي المختص في التسويق النفطي، يرد على السؤال بالقول بأن هناك صفقات لمعدات نفطية بين إيران وروسيا، ولكن «بالقطارة»، فروسيا لا تستطيع أن تغضب مصدرها الرئيسي لتقنيات التكنولوجيا ومعدات الاستكشاف، الولايات المتحدة الأميركية، «وهكذا تبدو المعادلة أن إيران على المدى المنظور إن لم تجد حلا لذلك فهي في أزمة تراجع في إنتاجها، في حين أن الموقع الذي تحتله إيران كثاني أكبر احتياطي عالمي مهيأ وبقوة للتراجع إلى المرتبة الثالثة مبدئيا أمام 15 مليار برميل ينتجها العراق يوميا، وإذا تطور هذا القطاع الواعد في العراق كما يبدو عليه الآن، وتحديدا بعد الاستثمارات الأجنبية الأخيرة، فستتراجع إيران وبجدارة إلى المرتبة الثالثة خلال السنوات القادمة».

ويضيف الخبير النفطي زياد عربية: «بل إن إيران قد تتنازل عن المرتبة الرابعة لتحل خامسا بالنسبة إلى الاحتياطي النفطي العالمي، في ظل تراجع إنتاجها، وبروز النجم النفطي الكندي».

ثلاثة عوامل يعتبرها الخبير عربية رئيسية في أفول نجم إيران النفطي على المدى الطويل، الأول: قدم أدوات التنقيب والبنى التحتية، الثاني: الحظر المفروض على إيران، الثالث: غياب تنقيبات جديدة يلعب دورا في هذا التراجع، فالمكامن النفطية علميا، كما يقول، «لا يمكن أن تستخرج منها كامل الاحتياطي، والتجهيزات الحديثة لا تمكنك من استخراج أكثر من 60 إلى 65% من القدرة الاستيعابية للبئر كمثال، وإذا كان لديك نصف مليون برميل احتياطي فلا تستطيع أن تستخرج منه سوى من 60 إلى 65%، والباقي يضيع في تشققات الآبار وعوامل تقنية أخرى، وهذا ينطبق على دول العالم كلها، ويتفاقم مع وجود بنية تحتية ضعيفة».

وفي رأي عربية، فإن التراجعات ليست فقط في مستويات الآبار فقط، وإنما أيضا من عوامل مرتبطة بالاحتياطي «فالاستهلاك كبير في إيران، يضاف إليه زيادة عدد السكان وتعرض إيران لأزمة مالية قوية، وهي عوامل لا تقل أهمية عن ضعف البنية التحتية في هذا القطاع».

وفيما ذهبت كيتي دوريان للقول بأن على الإيرانيين أن يزيدوا 400 ألف برميل على الإنتاج يوميا ليحافظوا على معدل إنتاجهم اليومي (3.7 مليون برميل)، وإن لم يستطيعوا ذلك، فالأمر واضح، والحديث عن نضوب النفط الإيراني ليس خيالا، فإن زياد عربية يرى أن الأمر غير ممكن في العقدين القادمين «إن ينضب النفط الإيراني خلال العقدين القادمين، فهذا غير ممكن فما يلعب دورا مهما هو الإنتاج والتصدير.. كم تنتج من الخام، وكم تستهلك في سوقك، وكم تصدر، هو ما يلعب دورا مهما، والنضوب ممكن أيضا لبعض الحقول، فهناك حقول في العالم تنضب في بريطانيا مثلا». ويعزو ذلك أيضا إلى أن «إيران لديها مناطق غير مستكشفة، فهي تماما مثل العراق في فترة حصاره (طاقة كامنة غير مستخرجة)، وإيران أيضا لها حصة مهمة في بحر قزوين وإن كانت صغيرة ولكنها تعول عليها»، لكنه لا يغفل أن إيران ستعاني أزمة نفطية حقيقية إذا استمر الحظر الدولي.

السيناريو الأكثر قتامه، كما يجمع عليه الخبراء، هو إذا استمر الحظر وتطورت الأمور عسكريا فيما يتعلق بملف إيران النووي، فستتأثر إيران كثيرا. والحديث ليس عن الاحتياطي، فسوف يتأثر موضوع الإنتاج والتصدير وتطوير الحقول والاستكشافات الجديدة، يضاف إلى كل ذلك أن إيران تعاني، بطبيعة الحال، أزمة مالية مما يعني أن قدرتها على الاستثمار والتصدير ستكون ضعيفة.