بالنسبة للكثير من المستثمرين، كانت الأسابيع الثلاثة الأخيرة داخل وول ستريت مألوفة لهم. تراجعت الأسهم قليلا، ثم تراجعت كثيرا. وحدث تعاف جزئي، وبعد ذلك حدث تدهور آخر.
نتج عن عملية بيع الأسهم خلال العام الماضي تراجع قيمتها بدرجة كبيرة، لتبلغ أقل معدلاتها في مارس (آذار)، ومضى شهران قبل أن يتغير الوضع. ولكن يبحث مراقبون داخل السوق عن إشارات تدلل على أن التراجع الذي بلغت نسبته 7 في المائة داخل وول ستريت منذ أعلى ارتفاع أخير في 19 يناير (كانون الثاني) مجرد عملية تصحيح وليس بداية لتراجع حاد آخر.
وبصيغة أخرى، ليس هذا هو الوقت الذي يشعر فيه المستثمرون بالهلع. ولكن، يجب أن يستعدوا لتعاف على المدى الطويل.
ويقول جاك أبلين، مسؤول الاستثمارات البارز في بنك «هاريس برايفت» بشيكاغو «تحدَّد الأسعار داخل السوق على أساس التقييم. ولا أخشى أن يحدث انهيار».
وفي الوقت الذي يمضي فيه الاقتصاد صوب مرحلة تعاف تكتنفها صعوبات، من المحتمل أن تقفز الأسهم في اتجاه ما، حسبما يقول المحللون. وتقول جينا سامبسون، مسؤولة الاستثمارات في «أواكبروك» للاستثمارات «ستكون لدينا أخبار سارة، وستأتي أخبار سيئة».
ويشار إلى أنه قبل شهر فقط، كان مؤشر داو جونز الصناعي في طريقه للارتفاع، متجاوزا 11.000 نقطة مجددا. ويومي الخميس والجمعة، كانت معدلات التداول أقل من 10.000 نقطة للمرة الأولى منذ نوفمبر (تشرين الثاني)، قبل أن يغلق أعلى من المؤشر بنسبة بسيطة، ويعد ذلك أمرا ذا مغزى من الناحية النفسية للكثير من المستثمرين. وقد تراجع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» للأسبوع الرابع على التوالي للمرة الأولى منذ مارس (آذار).
ويقول بيل ستون، واضع استراتيجيات الاستثمار البارز في «بي إن سي» لإدارة الثروة «للأسف، يشعر الجميع بالهلع بسبب الأزمة المالية. عندما يحدث تراجع، يكون هناك ترقب لحدوث المزيد، ولكن لا يقع ذلك دوما. وعندما تتراجع الأسعار، يشعر الناس بالقلق».
وتساور الشكوك بعض المحللين داخل السوق بخصوص التحسن الذي أدى إلى حدوث ارتفاع داخل وول ستريت بنسبة بلغت أكثر من 60 في المائة، بعد التراجع لأسوأ المعدلات العام الماضي، ويقولون إن المستثمرين كانوا متسرعين، ولذا كان التراجع في الأسعار ضرورة. ويمكن أن يدلل سوق العمل الضعيف في الداخل ومشاكل الديون في الخارج على تحديات أخرى تقف أمام التعافي الاقتصادي العالمي، حسبما قالوا.
ويقول توماس فرانسيس نوردباي، المتخصص في استراتيجيات السوق لدى «ليند وودك»: «أعتقد أن المستثمرين تعلموا الدرس من أزمة الائتمان، ونتخذ حاليا إجراء تحايليا أسرع من قبل. هذا غير سار بالنسبة للمولودين في 1947 حتى 1961، فببساطة لا يمكنهم التعامل مع أي تعد على خطط التقاعد الخاصة بهم».
ويبدو أن التباطؤ مختلف هذه المرة. ويقول نوردباي «لعملية البيع الأخيرة شعور مختلف، فلها دافع سياسي وعالمي».
وبدأت عمليات البيع المتسارعة في ظل مخاوف من أن الصين، التي ساعدت على تحقيق تعاف عالمي، سوف تبطئ نموها. وبعد ذلك تحول التركيز إلى واشنطن، حيث بدا لوقت قصير أن هناك مخاطر تتهدد التصديق على تمديد ولاية رئيس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي، وتسببت مقترحات إدارة أوباما في شعور بالقلق لدى بعض المتداولين إزاء لوائح جديدة ربما تخفض الأرباح داخل المصارف الكبرى. وتحولت مخاوف المستثمرين حاليا إلى المشاكل الاقتصادية داخل أوروبا.
وبعد ذلك جاءت الأخبار يوم الجمعة عن أن الشركات الأميركية استمرت في تخفيض العمالة داخلها في يناير، على الرغم من تراجع معدل البطالة من 10 في المائة إلى 9.7 في المائة. ويقول جيف كلينتوب، واضع استراتيجيات السوق البارز داخل «إل بي إل فاينانشيال»: «على ضوء التغيرات والمراجعات التي طرأت على البيانات، أجدها لا تنهي مخاوف أحد بخصوص ما إذا كان سيحدث نمو في معدل الوظائف بصورة تكفي لاستمرار التعافي الاقتصادي».
ويقول محللون إنه ربما تشهد الأسواق عملية تصحيح، تتراجع فيها الأسهم بنسبة 5 - 10 في المائة، بدلا من بداية عملية بيع كبرى. أو على الأقل فإنهم يأملون حدوث ذلك.
ويقول كلينتوب إنه من المحتمل أن تسترد السوق عافيتها. وعلى الرغم من ذلك قال إنه لن يفاجأ إذا انخفضت الأسهم نهاية العام الحالي عندما تنتهي مدة الإجراءات الفيدرالية لدعم الاقتصاد. وأضاف «سيكون هنا تقلب في السوق، لكن ستكون هناك مكاسب أكبر قبل التراجع الحقيقي نهاية العام الحالي».
وبالنسبة للمستثمرين، فإن هناك درسا يتعلمونه من عمليات البيع داخل السوق التي وقعت خلال عامي 2008 و2009، حسبما يقول محللون. وأضافوا أن الكثير من المستثمرين باعوا أسهمهم بعد أن شهدت السوق أشد خسائر، ولم يعودوا في وقت سريع كي يستفيدوا من التحسن الإجمالي. وأضاف سامبسون «تقوم بالبيع بعد التراجع، وتشتري بعد بدء تحسن الأوضاع، وهذه طريقة تضمن الإضرار بالسوق».
ويقول محللون إنه بدلا من ذلك يجب على المستثمرين صياغة خطة طويلة الأجل والالتزام بها. وأضافوا أنه يجب البدء بدراسة احتياجات الدخل والتأكد من أن المحفظة الاستثمارية بها سندات مستقرة كافية لاستيعاب أي تقلب داخل سوق الأسهم.
ويقول ستون «آمل أن يكون الجميع قد تعلم أن لحظات الهلع هي وقت خطأ للبيع». وربما تكون هذه فرصة كي يقوم مستثمرون أقوياء بالشراء. ويضيف «يجب أن تتوقع تقلب الأسهم، ومن الأفضل الاستفادة من هذا التقلب بدلا الشعور بالهلع».
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»