درس لليابان من مأزق «تويوتا»

الاعتماد على التصنيع والصادرات الصناعية لم يعد أمرا سديدا ويجب التركيز على المنتجات التكنولوجية

TT

عندما اعتذر أكيو تويودا رئيس شركة «تويوتا» بسبب قيام الشركة بسحب بعض سياراتها من السوق، وهو الأمر الذي شوه سمعتها، فقد تحدث ليس عن مصير الشركة فحسب، بل عن مصير دولته كذلك.

صرح تويودا «آمل أن أعيد (تويوتا) إلى تحقيق الأرباح، وأن أساهم في تنشيط اليابان».

أصبحت «تويوتا» التي كانت في الماضي أحد الرموز البارزة التي تدلل على صعود اليابان لتصبح قوة اقتصادية عالمية، أحد أبرز علامات تراجعها، وحتى قبل عمليات استدعاء سيارات «تويوتا»، بدأ منافسو اليابان من كوريا الجنوبية والصين بالتفوق على اليابان في صناعات أساسية بدءا من أشباه الموصلات ومرورا بأجهزة التلفزيون ذات الشاشات المسطحة، وأطلقت «تويوتا» يوم الثلاثاء عمليات استدعاء أخرى شملت هذه المرة سيارتها الرائجة الهجين «بريوس».

وقال ماساتومو تاناكا، الأستاذ بمعهد التكنولوجيا، وهو عبارة عن جامعة متخصصة في تدريب المهندسين: «إذا استمر الوضع كما هو، فستغرق اليابان في البحر، وإذا لم تصبح (تويوتا) قوية، لن تصبح اليابان قوية».

ويقول الكثير من خبراء الاقتصاد والمسؤولين التنفيذيين في الشركات، إنهم يأملون في أن تكون أزمة «تويوتا» بمثابة ضربة مزعجة، كي تدرك اليابان أن اعتمادها على التصنيع والصادرات الصناعية، التي ساعدت البلاد جيدا بعد الحرب العالمية الثانية، لم يعد أمرا سديدا.

وقال يوكيو نوغوتشي، أستاذ التمويل في جامعة وسيدا في طوكيو، إنه يجب على اليابان في النهاية أن تتحول إلى اقتصاد يتجاوز الاعتماد على الصناعة ويعتمد على الخدمات، وهو تحول مؤلم مرت به الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى في ثمانينات القرن الماضي. وقال آخرون، إنه ينبغي لليابان التركيز فقط على المنتجات عالية التكنولوجيا التي تحقق أرباحا عالية، مثل الإنسان الآلي وخلايا الوقود، بدلا من السلع التي تنتج على نطاق واسع وتخضع إلى مراقبة الجودة.

وقال نوغوتشي: «حتى (تويوتا) من الممكن أن تفشل، وحتى (لكزس) و(بريوس)، ربما لم تعد صناعاتنا التحويلية الرائدة عالميا في نفس موقعها الريادي، ولهذا تأثير قوي على الروح الوطنية».

تمتع «تويوتا» بأهمية كبيرة للغاية لدرجة أن اليابان تبدو كأنها مدينة قائمة على شركة واحدة، وتعد «تويوتا» أكبر شركة في اليابان من حيث المبيعات (حيث بلغت مبيعاتها 230 مليار دولار العام المالي الماضي)، وأصبحت في السنوات الأخيرة أكبر شركة من حيث تحقيق الأرباح وأكبر كيان يدفع ضرائب.

كما أن «تويوتا» أكبر شركة في اليابان من حيث الإعلانات، مما يجعل وسائل الإعلام الكبيرة تخشى انتقادها، ففي نهاية عام 2008، هدد الرئيس السابق لشركة «تويوتا» هيروشي أوكودا بالتوقف عن الإعلان في ما وصفه بوسائل الإعلام المفرطة في النقد.

وتمتعت «تويوتا» لفترة طويلة بمكانة شبه مقدسة في البلاد باعتبارها أكبر مثال للكمال في الحرفية لمدة قرون.

وينظر على نطاق واسع إلى هذا الافتخار بالحرفية، التي يطلق لها العنان داخل المصنع، على أنه أحد أسرار «المعجزة» اليابانية في فترة ما بعد الحرب وعلى أنها إحدى المميزات الثقافية التي ساعدت المهندسين اليابانيين على أن يتفوقوا على مهندسي مدينة ديترويت الأميركية، وقد أثر إمكانية ضعف هذه المثالية على نظرة «تويوتا» إلى نفسها، مما أدى إلى قلق واسع الانتشار في وسائل الإعلام ومخاوف جديدة بشأن الاقتصاد.

وبشكل أعم، قد يسرع ذلك من تحول يحدث فعلا، ولكن بوتيرة بطيئة، منذ أن بدأ الكساد الاقتصادي الطويل في اليابان في بداية تسعينات القرن الماضي، ووفقا لمكتب مجلس الوزراء الياباني، شكلت الصناعات التحويلية 22 في المائة من الناتج الاقتصادي الكلي في اليابان عام 2008، مقابل 28 في المائة عام 1990.

وتباطأ هذا التحول في العقد الأول من القرن الحالي عندما عزز ضعف الين الياباني من ازدهار الصادرات، الذي استفادت منه «تويوتا» وأعطى اليابان أطول فترة للنمو الاقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن خطورة الاعتماد على الصادرات ظهرت في الأزمة المالية الأخيرة، وعندما خفض المستهلكون في الولايات المتحدة والدول الأخرى مشترياتهم من السيارات وأجهزة التلفزيون ذات الشاشات المسطحة، أصبحت اليابان أشد الاقتصادات الكبرى تأثرا على الرغم من أنها لم تتأثر بويلات التورق وسوق العقارات. ومع ذلك، لا يزال نصيب الصناعات التحويلية من الاقتصاد أعلى كثيرا عن مستوى الـ12 في المائة داخل الولايات المتحدة، ويؤيد عدد صغير من خبراء الاقتصاد أو الصحافيين في طوكيو التحول السريع، فالشعور السائد هو أن اليابان تحتاج إلى إيجاد توازن جديد بالاستعاضة عن صناعاتها الملوثة بمزيد من صناعات تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات، وهي المجالات التي لا تزال ضعيفة فيها. وفي نفس الوقت، لا يزال بمقدور اليابان التركيز على قوتها الكبيرة كمركز للسلع الصناعية عالية الجودة، مع المحافظة على إنتاج السلع عالية الجودة في الصناعات المتطورة مثل آلات التشغيل وتكنولوجيات الطاقة البديلة والإنسان الآلي، وهي المجالات التي لا تزال اليابان قوية فيها، كما أن شركاتها حققت ازدهارا استنادا إلى الطفرة الجديدة لإنشاء المصانع في أماكن مثل كوريا الجنوبية والصين، نظرا لأن معظم الآلات المتطورة المستخدمة في الإنتاج لا تزال تصنع في اليابان.

وقال بعض خبراء الاقتصاد، إن هناك خطرا في ذلك أيضا، ويُرى هذا الخطر في المصاعب التي تواجها «تويوتا»، وقال هؤلاء الخبراء، إن الشركات اليابانية تخاطر بأن تصبح مهتمة للغاية بالهندسة المتطورة لدرجة أنها تتجاهل نقطا يهتم بها المستهلكون مثل سهولة الاستخدام والتصميم، وأضافوا أن هذا هو ما حدث لشركة «سوني»، التي يعتبر جهاز الـ«ووكمان» الرقمي الخاص بها أفضل من الناحية الهندسية من جهاز «آي بود» الخاص بشركة «آبل»، لكنه أقل شعبية بكثير.

وقال ريوزو يوشيكاوا، أستاذ إدارة التصنيع في جامعة طوكيو: «أصبحت (تويوتا) مفتخرة للغاية بأنظمتها الصناعية، وبمفاهيمها مثل (التطوير المستمر) و(في الوقت المناسب تماما)، لكن أدى ذلك إلى شعور بالكبر، لقد نسيت أهم شيء، ألا وهو العملاء». سيكون هذا التحول صعبا بالنسبة لليابان، التي لا يزال الكثير من صناع السياسة والمحللين بها، فيما يبدو، يتشبثون بالنموذج القديم للصناعات الثقيلة والسلع الاستهلاكية، وإذا استطاعت اليابان إحداث هذا التحول، فبإمكانها أن تكون نموذجا يحتذى به، ويحذر خبراء الاقتصاد من أنه إذا لم تستطع فعل ذلك، فإن البلاد ستستمر في التعثر في ظل المنافسة مع الدول التي تقدم أجورا أقل للعاملين. وقال نوغوتشي: «آمل أن تغير (تويوتا) طريقتنا في النظر إلى اقتصادنا، لا نستطيع البقاء إذا واصلنا التمسك بالنموذج القديم من الصناعات».

* خدمة «نيويورك تايمز»