يبدو الناس في الشوارع المنحدرة والمرصوفة بقطع الحجارة لهذه المدينة الأطلسية وكأن على رؤوسهم الطير، حيث إنهم لا يدرون ما إذا كان الاقتصاد البرتغالي المنهار سوف يتمكن من النهوض من عثرته أم أنه سوف يستمر في الانهيار مؤثرا على الصحة المالية للاقتصاد الأوروبي بأسره. فتقول كوسيكاو بابياو (63 عاما)، التي تعمل مندوبة مبيعات في متجر أحذية بميدان روسيو في وسط المدينة على مقربة من المعالم التذكارية التي تعود إلى التاريخ الاستعماري للبلاد: «ننتظر أن تفعل الحكومة شيئا ولكنهم يبدون غير منظمين إلى حد كبير».
وكانت البرتغال التي تعد واحدة من دول أوروبا الغربية المنطوية على ذاتها والبعيدة عن الأضواء قد لفتت أنظار العالم إليها خلال الأسبوع الماضي عندما تعرضت أسواقها للهبوط بعد مخاوف تتعلق بإضافتها - وإسبانيا كذلك - إلى الفئة نفسها التي صنفت فيها اليونان، بعدما تسبب ارتفاع ديونها وعجز ميزانيتها وأزمة المصداقية التي تعرضت لها في تقليل الثقة في اليورو. وقد اندفعت الحكومة الاشتراكية لرئيس الوزراء جوزيه سوكراتيس في محاولات لإعادة تهدئة الأسواق، وناخبيها المحليين، مؤكدة أنها اتخذت الإجراءات اللازمة لخفض العجز - الذي كان قد وصل إلى 9.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الماضي - لكي يصل إلى أقل من 3 في المائة وهو الحد الأعلى المسموح به الذي حدده الاتحاد النقدي الأوروبي بحلول عام 2013. ومن جهته، قال سوكراتيس في حوار أجري معه في مقره الرسمي هنا «سوف ننجز المهمة في 3 سنوات. وبالطبع هي مهمة صعبة ولكنني مستعد لإنجازها». ولكن الأسواق والمراقبين ليسوا واثقين من ذلك، فبخلاف الأزمة الاقتصادية، يواجه الزعيم الاشتراكي ضغوطا سياسية قوية في ظل محاولاته تقليل إنفاق القطاع العام. وذلك حيث فقد الأغلبية التي كان يحظى بها في انتخابات سبتمبر (أيلول) وأصبح الآن يواجه صعوبات في لم شمل المعارضة صعبة المراس والمشتتة في الوقت نفسه.
وكانت الأسواق قد تهاوت خلال الأسبوع الماضي بعدما أعلن المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية، جواكين ألمونيا، عن وضع البرتغال واليونان وإسبانيا في قائمة الدول التي أثبتت «فقدانا دائما للتنافسية» منذ انضمامها إلى الاتحاد النقدي والاقتصادي الأوروبي. وكان سوكراتيس، الأنيق الذي يحمل وجها معبرا وصريحا ويؤكد دائما أفكاره من خلال حركات يديه المسرحية، يبدو قلقا للغاية بشأن جدية مشكلات بلاده في بعض الأحيان، بينما كان ينفي على نحو غريب البيانات التي تأتي من الاتحاد الأوروبي. فقد نفى أن البرتغال قد تخلفت عن نظيراتها في الاتحاد الأوروبي من حيث الإنتاجية أو العمالة الماهرة. فيقول: «هذه من الأفكار المسبقة، وليس لها علاقة باقتصادنا».
ومع ذلك، وبعد عقود من اعتماد اقتصادها على العمالة منخفضة التكلفة، تعرضت البرتغال إلى أزمة شديدة إثر امتداد الاتحاد الأوروبي شرقا وتخفيف القيود التجارية المفروضة على العلاقات التجارية مع آسيا. أما اليوم، فإنها تعاني في المنافسة مع نظرائها الأغنى في الاتحاد الأوروبي من الدول التي كانت تواجه معدلات نمو ثابتة خلال العقد الماضي. فيقول كاميلو لورينسو، المعلق الاقتصادي في لشبونة: «إن الدول مثل الشركات تماما، فيجب أن تكون سباقا». ويضيف: «لم تدرك البرتغال أنها سوف تصبح منعزلة في ظل توسع الاتحاد الأوروبي. فلا أحد ينتبه ما لم تحدث صدمة». ويضيف لورانسو أنه لا يعتقد أن الحكومة لديها المهارة السياسية أو الخطط المتماسكة لمعادلة العجز. مضيفا: «وذلك ما يقلقني».
ومن جهة أخرى، أرجع سوكارتيس تفاقم أزمة العجز في البرتغال إلى الانخفاض الشديد في عائدات الضرائب، مؤكدا أن ذلك لم يكن شاذا تماما عن باقي دول الاتحاد الأوروبي. فمن المتوقع أن يصل العجز في موازنة فرنسا لعام 2010 إلى 8.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، منخفضا عن التقديرات السابقة التي كانت تصل إلى 8.5 في المائة، بينما بلغ العجز لموازنة ألمانيا في عام 2009 نحو 3.2 في المائة. وخلال الشهر الماضي، أعلنت إسبانيا أن العجز في موازنتها قد ارتفع إلى 11.4 في المائة من إجمال الناتج المحلي وهو ما يفوق التقديرات السابقة.
وأضاف سوكارتس أن العجز في الموازنة أصبح أمرا طبيعيا في الوقت الراهن، قائلا: «تواجه كل الدول المتقدمة حاليا مشكلات تتعلق بالعجز في الموازنة».
ومن جهة أخرى، يبدو أن بعض كبار رجال الأعمال في البرتغال أصيبوا بصدمة بالغة في ظل حالة الهلع التي أصابت الأسواق خلال الأسبوع الماضي، خصوصا أنه لم يتم الإفصاح عن أي بيانات جديدة حتى الآن. فيقول باولو مويتا ماكيدو نائب رئيس بنك «ميلنيام بي سي بي» الذي حاز على استحسان الجميع عندما كان أكبر المسؤولين عن الضرائب في الفترة من 2004 إلى 2007 بعدما أجرى إصلاحات على النظام الضريبي: «من الواضح أن الأسواق بالغت في رد فعلها. ولكن لا أحد يمكنه الاعتراض على أننا نحتاج إلى تقليل الإنفاق».
ومن المتوقع أن يرتفع دين البرتغال إلى 85 في المائة من إجمال الناتج المحلي خلال العام الحالي بعدما كان يبلغ 76.6 في المائة في عام 2009، نظرا لارتفاع معدلات البطالة، والإنفاق الحكومي على مشروعات البنية التحتية، مثل السدود، وأنظمة الطاقة الهيدروكهربائية، وخطوط السكة الحديد السريعة لمدريد.
وقد وجهت كبرى الحركات المعارضة في البرتغال، الديمقراطيون الاشتراكيون، انتقادات إلى الحكومة نظرا لأنها ألقت بالأموال التي تدين بها إلى قلب المشكلات. فقد تجنب سوكارتيس استخدام مصطلح «إنفاق خطة الإنقاذ»، قائلا في أحد حواراته: «ليس إنفاقا بل استثمارا». وتأمل الحكومة أن يعزز تاريخها السابق في معالجة مثل تلك القضايا الثقة فيها. فعندما ارتفع معدل العجز البرتغالي إلى ما فوق 6 في المائة في 2005، تمكنت الحكومة من تخفيضه إلى أقل من 3 في المائة بحلول عام 2007 من خلال تقليص الإنفاق العام. فقد ذكر وزير المالية، فرناندو تيكسييرا دوس سانتوز، أول من أمس، الثلاثاء، في حوار أجري معه على الهاتف: «لقد نجحنا في ذلك في الماضي، وسوف ننجح فيه مرة أخرى. فنحن نفس الرجال، كما أننا ملتزمون بعمل ذلك». ولكن هؤلاء الرجال يفترقون هذه المرة إلى الإجماع التام. ففي يوم الجمعة الماضي، أرسل البرلمان رسالة مضادة لخفض الإنفاق من خلال تمريره قانون الإنفاق الإقليمي الذي يقضي بمضاعفة التمويل لجزر «مديرا» و«الأزور».
وقد قال تيكسييرا دوس سانتوز، أول من أمس، الثلاثاء: «لقد قلت للبرلمان إن ذلك القرار سوف يبعث برسالة خاطئة إلى الأسواق». وأضاف أنه سوف يستعين بكل القوانين التي في سلطته لوقف تلك الزيادة.
وقد بذل سوكراتيس جهودا مضنية للتفريق بين وضع كل من البرتغال واليونان. فقال إن بلاده أجرت إصلاحات هيكلية قوية للغاية خلال السنوات الماضية، بما في ذلك تقليل حجم القطاع العام، ورفع سن التقاعد، وتغيير نظام الأمن الاجتماعي.
* خدمة «نيويورك تايمز» وبخلاف اليونان وإيطاليا، دشنت البرتغال نظاما دقيقا للصيرفة الإلكترونية يستطيع عبره المواطنون سداد الضرائب من خلال ماكينات الصراف الآلي. وفي ظل تزايد الحديث عن خطط لإنقاذ اليونان، أصر سوكراتيس على أن البرتغال ليس في حاجة إلى الاتحاد الأوروبي. فيقول: «لسنا في حاجة إلى أي شيء من بروكسل».