6 مليارات دولار إجمالي خسائر الدخل القومي الفلسطيني خلال 27 شهرا

البنك الدولي: الحصار والإغلاق السبب المباشر للأزمة الاقتصادية وحماية مؤسسات السلطة مسؤولية دولية

TT

قال البنك الدولي ان السنة الثانية من الانتفاضة الفلسطينية شهدت مزيداً من التراجع الحاد في جميع المؤشرات الاقتصادية الفلسطينية، وبلغ الدخل القومي الإجمالي في عام 2002 مستوىً يقل بنسبة 40 في المائة عن مستواه في عام 2000. ومع بلوغ معدل النمو السكاني في الضفة الغربية وغزة بنسبة 9 في المائة خلال السنتين الماضيتين، فقد تدنّت حصة الفرد من الدخل الحقيقي الآن إلى نصف المستوى الذي كانت عليه في سبتمبر(أيلول) 2000، وبلغت نسبة البطالة 53 في المائة من مجموع الأَيدي العاملة.

وكشف تقييم تقديري للبنك «بعد سنتين من الانتفاضة والحصار والإغلاق والأزمة الاقتصادية الفلسطينية» تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أن حجم الضرر المادي الناتج عن النزاع قد قفز من 305 ملايين دولار في نهاية عام 2001 إلى 728 مليون دولار في نهاية أغسطس(آب) 2002. وخلال الفترة يونيو(حزيران) 2000 ويونيو(حزيران) 2002 تراجعت قيمة الصادرات الفلسطينية بنسبة 45 في المائة، وتقلصت الواردات بمقدار الثلث.

كما بلغت الخسائر الكلية للدخل القومي الإجمالي 5.4 مليون دولار اميركي بعد مرور 27 شهراً على اندلاع الانتفاضة.

واعتبر البنك الدولي الحصار والإغلاق السبب الرئيس المباشر للأزمة الاقتصادية الفلسطينية. ويعني الحصار والإغلاق القيود التي تفرضها حكومة إسرائيل على حركة السلع الفلسطينية وعلى الفلسطينيين أنفسهم وانتقالهم عبر الحدود مع إسرائيل وداخل الضفة الغربية وغزة وفيما بينهما. ففي الفترة مارس (آذار) - إبريل (نيسان) 2002، ومع اندلاع الانتفاضة، خفَّضت حكومة إسرائيل في البداية وبصورة كبيرة من مستوى إصدار تصاريح العمل المخفَّضة أصلاً للفلسطينيين، ولكنها عاودت في الأشهر الأخيرة منح التصاريح لأعداد كبيرة منهم. فقد أصدرت حوالي 32000 تصريح عمل بحلول نهاية عام 2002 رغم أنه لم يتم استخدام إلا نصف هذا العدد; وذلك لأن الإغلاق والحصار الداخلي يجعل من الصعوبة بمكان على الكثير من العمال التحرك عبر الضفة الغربية وغزة إلى أماكن عملهم المحددة في التصاريح.

* تفادي الانهيار الاقتصادي

* وأرجع تقييم البنك الدولي أحد الأسباب الرئيسة لصمود الاقتصاد الفلسطيني إلى بقاء السلطة الفلسطينية قائمة تؤدي أعمالها، والفضل في ذلك يعود ـ في جزء كبير منه ـ إلى الدعم الذي قدَّمه المانحون لموازنة السلطة الفلسطينية. فهناك 125000 موظف في القطاع العام يتلقون رواتب شهرية منتظمة ويقدمون خدمات ضرورية للسكان الفلسطينيين. وتستخدم السلطة الفلسطينية في الوقت الحاضر ثلث القوى العاملة التي ما تزال على رأس عملها، وتدفع نصف مجموع الأجور التي يكتسبها العاملون في الضفة الغربية وغزة. وقد ساعدت هذه الأجور على دعم ومساندة أسباب العيش والرزق للثلثين الآخرين اللذين ما يزالان يعملان، وقد أحدثت الفرق الحاصل أيضاً فيما بين البقاء المتعثِّر والاختفاء الفعلي للقطاع الخاص المحلي.

أما السبب الثاني لذلك الصمود فهو استمرار تدفق مساعدات المانحين بمستويات مرتفعة. ففي عام 2001، تضاعف إنفاق المانحين من المستوى الذي كان عليه قبل الانتفاضة إلى مستوى 929 مليون دولار اميركي، وارتفع في عام 2002 مرة أخرى إلى 1.051 مليار دولار اميركي.

وأما السبب الثالث لصمود الاقتصاد الفلسطيني فهو يعود إلى ما أظهره المجتمع الفلسطيني من تماسك عظيم ومرونة كبيرة. فعلى الرغم من انتشار العنف، والمعاناة الاقتصادية والإحباطات اليومية للعيش في ظل حظر التجول والإغلاق، فقد عمَّت ظاهرة الاقتراض والتشارك بين الأُسر التي ظل معظمها قادراً على الأداء والاستمرار

* الأثر المترتب على عامة الفلسطينيين

* تشير تقديرات البنك الدولي، التي أجراها باستخدام خط الفقر المساوي لمبلغ دولارين يومياً، إلى أن 21 في المائة من السكان الفلسطينيين كانوا فقراء عشية اندلاع الانتفاضة، وقد ارتفعت هذه النسبة إلى 60 في المائة بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2002. ولأسباب تتعلق بالنمو السكاني، فقد تضاعف عدد الفقراء ثلاث مرات: من 637000 إلى أقل من مليوني شخص بقليل. بينما ازدادت حِدة الفقر سوءاً لدى الفئات الفقيرة أصلاً. ففي عام 1998 كان متوسط الاستهلاك اليومي للشخص الفقير يعادل 1.47 دولار في اليوم الواحد، وقد انخفض هذا المعدل في الوقت الحاضر إلى 1.32 دولار. وأصبح ما يزيد على 75 في المائة من سكان قطاع غزة في عِداد الفقراء، علماً بأن المعدل المرتفع لنمو السكان الفلسطينيين (4.35 في المائة سنوياً) يعزّز نمو الفقر وانتشاره.

* ما الذي يُمكن عمله

* يبيّن التحليل الذي أجراه البنك الدولي للأزمة الاقتصادية الفلسطينية القوة المحدودة للمساعدة التي يقدّمها المانحون في ظل الظروف القائمة. فلو افتراضنا أن حجم الإنفاق الذي سيقدِّمه المانحون خلال عام 2003 قد يتضاعف إلى ملياري دولار - وهو شيء ليس ثمة سبب يبعث على الاعتقاد بإمكانية حدوثه من الناحية العملية - لانخفاض معدل الفقر إلى 54 في المائة فقط بحلول عام 2004. ويظل الوضع القائم واحداً من الأزمات السياسية والنزاعات التي طال أمدها. ففي حين أن الدعم المالي المقدم من المانحين يستطيع التخفيف من أثر الأزمة على الاقتصاد الفلسطيني والمحافظة على توفير قدر متوسط من الخدمات الأساسية، إلا أنه لا يرقى إلى إيجاد حل لها. ولا مناص من وجود إطار متفق عليه لتحقيق تقدم على الصعيد السياسي من أجل استئناف مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل من إسرائيل والمناطق الفلسطينية.

* التحديات التي تواجه المانحين

* ضمن التوقّعات الاقتصادية للحالة الأساسية للبنك الدولي لعام 2003 (أي استمرار الأزمة الاقتصادية)، ينبغي على المانحين استهداف إنفاق ما لا يقل عن 1.1 مليار دولار اميركي، أو أكثر قليلاً مما أنفقوه خلال عام 2002. وتحتاج السلطة الفلسطينية إلى معظم هذه الأموال لدعم موازنتها (574 مليون دولار اميركي)، كما تحتاج إلى (375 مليون دولار اميركي) للبرامج الطارئة والإنسانية الأخرى. وتشير التقديرات الأولية إلى أن الالتزامات الثابتة تجاه السلطة الفلسطينية تبلغ حتى الآن حوالي 700 مليون دولار اميركي، ويمكن توقُّع التزامات يصل مجموع قيمتها إلى 1.5 مليار دولار اميركي. ولا بد لهذا المستوى من الالتزامات من أن يجعل هدف إنفاق مبلغ 1.1 مليار دولار اميركي أمراً ممكناً من الناحية العملية. بيد أن الأَهم من ذلك كله في عام 2003 هو توفير الدعم الكافي لموازنة السلطة الفلسطينية ـ وهذا أَمر ضروري للحفاظ على قدرة السلطة الفلسطينية على إدارة مقدّراتها من أجل التوفير المتواصل للخدمات العامة الأساسية وإيصالها للمحتاجين إليها - إضافة إلى تعزيز استدامة الطلب الكلي على تلك الخدمات.

* نظرة مستقبلية

* في حين أن أي انتعاش قصير الأجل للاقتصاد الفلسطيني سوف يتوقف على رفع الحصار والإغلاق، فإن ذلك لن يكفي لوضع الاقتصاد الفلسطيني على مسار النمو المستدام. فقد أثبت بروتوكول باريس - الذي أضفى الصبغة الرسمية على الاتحاد الجمركي المكرَّس بحكم الأمر الواقع مع إسرائيل منذ عام 1967 .. أثبت أنَّه باهظ التكاليف في حد ذاته وليس لأن حالات الإغلاق والحصار، التي تدخَّلت في تنفيذه، هي التي جعلته كذلك. ومن الناحية الهيكلية، نجد أن إمكانية النمو طويل الأجل للاقتصاد الفلسطيني قد أُعيقت عن التطوّر جراء الضغط المتصاعد على الأجور الفلسطينية المحلية، والناشئ عن الأجور التي تُدفع في إسرائيل للعمال الفلسطينيين. لقد تجاوز ارتفاع الأجور المحلية أي نمو ضمني في الإنتاجية، وقوَّض في الوقت ذاته القدرة الفلسطينية على تصدير السلع بأسعار تنافسية إلى بقية دول العالم. ويُظهر التحليل الذي أجراه البنك الدولي لهذا الوضع أن اعتماد سياسة نشطة وداعمة لتنمية الصادرات، يتم فيها تبنِّي نظام تجاري أكثر انفتاحاً وأقل تمييزاً، يُمكن أن يؤدي إلى تحقيق دُخُول أعلى بحلول عام 2010 من تلك الدخول التي يتم تحقيقها من خلال العودة إلى المستويات السابقة من تشغيل العمال الفلسطينيين في إسرائيل.