«الهيف» و«الضيف» و«الكيف» و«السيف».. مسميات لفنجان القهوة العربية

تقدم في الأفراح والأتراح.. وتختلف طرق تقديمها باختلاف طبقات المجتمع

TT

لا تخلو البيوت العربية الأصيلة بشكل عام والبدوية خاصة، من الدلال النحاسية المملوءة بالقهوة العربية، التي تعد الضيافة الأساسية للداخلين والخارجين عليها، إلى جانب التمور بأنواعها رغم اختلاف الأزمنة والأجيال، لا سيما أن رائحة الهيل هي ما تزيدها جمالا لتبقى عالقة في الأذهان على مر السنين.

ويعتبر إعداد القهوة يدويا من أفضل الأعمال التي يقوم بها الرجل أمام ضيوفه، إذ يتفنن الكثيرون في صنعها رغم محدودية الأدوات المستخدمة بها والمتضمنة «المحماسة» لتحميص حبوب البن، و«المبرادة» المستعملة لتبريده، و«النجر» أو «المهباش»، الذي يتم بواسطته طحنه، وذلك بحسب ما ذكره محمد بن سهلان، معلم متقاعد ومتخصص في إعداد القهوة العربية ، اذ قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» يستخدم أيضا في إعداد القهوة العربية ما يسمى بـ«الدلة المطباخة»، التي تطبخ بها، إلى جانب «الدلة المبهارة» لتبهيرها من الداخل، و«المنفاخ»، الذي يستعمل لزيادة إشعال النار، عدا عن الاستعانة بـ«الليف» لحجب الهيل من النزول في الفنجان عند صبها بعد إمساك الدلة بقطعة تسمى «البيق»، إن كانت ساخنة.

وحول كيفية إعداد القهوة العربية قديما أفاد علي بن محمد بن حوراء، عسكري متقاعد في القوات المسلحة وخبير في إعداد القهوة، بأنهم يشعلون النار ليضعوا عليها «المحماسة»، التي تحوي حبوب البن، ومن ثم يتم تحريكها جيدا بحيث لا تتركز النار على جانب واحد فيحترق.

وقال يستمر تحريكها حتى يتم الوصول إلى اللون المرغوب، كأن تكون شقراء فاتحة أو سمراء غامقة، ومن ثم يتم وضعها في «النجر» لطحنها جيدا وإضافة الماء المغلي عليها في «المطباخة» لتركها تغلي بهدوء. وأضاف يطحن الهيل في «النجر» ويوضع في «المبهارة» الفارغة، إضافة إلى إبعاد «المطباخة» عن النار لتهدأ قليلا ومن ثم يتم صب القهوة على الهيل لتوضع مرة أخرى على النار حتى تغلي، لافتا إلى أن فتحة الدلة تغطى بالليف لتصفيتها أثناء صبها في الفناجين.

وتختلف طرق تقديم القهوة العربية باختلاف فئات الجالسين في المجلس، إذ لا تستقر الدلال والفناجين مطلقا في مجالس الشيوخ والوجهاء، خاصة أن العادات تقتضي تدوير الفناجين في كل مرة ينضم للمجلس ضيف جديد، فيما يعد من غير اللائق أن يغادر الفرد أثناء تقديم القهوة وإنما عليه الانتظار لحين استقرارها في مكانها.

وتقدم القهوة عادة للضيف بعد السلام عليه وإيجاد مكان مناسب لجلوسه، إذ يتم تقديم الفنجان باليد اليمنى وتسلمه أيضا باليد نفسها، عدا عن وجود إشارات يستخدمها الضيف للدلالة على أمور متعددة من ضمنها هز الفنجان بعد الانتهاء من شرب القهوة كرمز للاكتفاء والشكر، إلى جانب شرب المضيف فنجانا من القهوة قبل أن يضيفها، وذلك كدليل على خلوها من أي مكروه.

ولفناجين القهوة العربية مسميات عدة تعارف عليها أهل البادية، التي من ضمنها فنجان «الهيف»، الذي يشربه صاحب المجلس أمام ضيوفه لإثبات سلامة القهوة، و فنجان «الضيف» باعتباره يحل محل العيش والملح بين المضيف والضيف، و«الكيف» الخاص بالتذوق والمزاج، إضافة إلى «السيف»، الذي يلزم الضيف بالدفاع عن تلك العشيرة كونه بمثابة عهد بينهم ويدل على القوة والشرف.

ولا يقتصر تقديم القهوة لدى العرب على وقت محدد، لا سيما أنها تقدم في الأفراح والأتراح ومن دون مناسبة أيضا، ما يجعل الاعتذار عن شربها في بيت المضيف من قلة الواجب وعدم الاحترام له.

وتتجلى أهمية فنجان القهوة في العادات والتقاليد العربية، خاصة أن بعضهم يقصدون شخصا لطلب معين أو خطبة أو حتى للعتاب، فيضعون الفنجان أمامهم ولا يشربونه حتى يسأله المضيف عن حاجته ويلبيها لهم بقوله «اشرب قهوتك فطلبك مستجاب».

ومما يستحق الذكر أن القهوة العربية تعد الأفضل صحيا مقارنة بأنواع القهوة الأخرى، كونها خالية من السكر، إلى جانب احتوائها على مادة الكربون التي تساعد على الهضم وتنشيط الجسم، خصوصا أنها تنبه العصارات الهضمية وتدر البول، وتساهم في علاج الشقيقة والصداع.

ونظرا لاحتوائها على مادة الكافيين فإنها تحفز الجهاز العصبي المركزي، ما جعلها تستخدم في صناعة الأدوية المخففة للألم والحد من الشهية المفرطة ومقاومة النعاس ونزلات البرد والربو، إضافة إلى أنها مصدر غني بالمواد المضادة للتأكسد، التي تقلل من آثار المواد الضارة للجسم وتعمل على الوقاية من بعض الأمراض.