«الشيف رمزي» يؤكد بالتوثيق أن «المطبخ الإسرائيلي» بدعة

النجم التلفزيوني يكتب بمهارة عن لبنانية «الحمص» و«التبولة»

الشيف رمزي أثناء مشاركته في تحضير أكبر طبق تبولة في العالم (أ.ب)
TT

بعد أيام من كسر إسرائيل الرقم القياسي الذي سجله لبنان، ودخل به موسوعة «غينيس»، لأكبر صحن حمص، هاهو «الشيف رمزي»، ينبري ليؤكد لبنانية صحني الحمص والتبولة معا، من خلال دراسة مشوقة وقيمة، سيضعها بين يدي المسؤولين اللبنانيين، لتكون معينا لهم أمام الهيئات الدولية لتسجيل هذين الطبقين «كملك لبناني في الدوائر القانونية». وتُطلع «الشرق الأوسط» قراءها على جانب من هذه الدراسة التي خصها بها الشيف رمزي لما لها من أهمية في المعركة الدائرة حاليا، وما تحويه من معلومات قيمة حول مأكولات نتناولها من دون أن نعرف أصولها.

وقد استطاع الشيف رمزي، النجم التلفزيوني الشهير، ومدير مدرسة «الكفاءات» الفندقية، بمبادرة ودعم «جمعية الصناعيين اللبنانيين»، أن ينفذ منذ عدة أشهر صحني الحمص والتبولة العملاقين، اللذين دخل بهما لبنان موسوعة «غينيس» ليثبت لبنانية هذين الطبقين. عاون الشيف في تلك الجولة من المعركة القائمة بين لبنان وإسرائيل، 250 طباخا متدربا من مدرسة «الكفاءات»، يحيط بهم 30 طباخا محترفا وأستاذا ومراقبا صحيا من كوادر «الكفاءات» أيضا. لكن إسرائيل كسرت، منذ أيام، الرقم القياسي اللبناني لصحن الحمص الذي كان وزنه طنين، بصحن زنته أربعة أطنان. الشيف رمزي يقول بأنه قادر على كسر الرقم الجديد بسهولة، لكن هذا لن يشكل سوى خطوة أولى تجاه الهدف الأساس، وهو تسجيل الحمص والتبولة «كملك لبناني في الدوائر القانونية العالمية». وهذا لن يحدث من دون دراسات تثبت أن إسرائيل مدعية، وأن اللبنانيين هم الذين ابتكروا هذين الطبقين بفعل تراكم التجارب جيلا تلو جيل. ويقول الشيف رمزي: «فمثلما كذبنا المقولة اللبنانية: (كثرة الطباخين تحرق الطبخة)، فإن النصر في المعركة الثانية التي نتوجه إليها - (جمعية الصناعيين) و(الكفاءات) والشيف رمزي - لن نبلغه إلا بعمل جماعي وطني مدعوم أشد الدعم من قبل الدولة اللبنانية».

الحمص لبناني أكيد! يقول الشيف رمزي في دراسته، مفندا حجج إسرائيل، ومعددا استخدامات الحمص في لبنان: «الحمص الحب من أكثر أنواع الحبوب استعمالا في المطبخ اللبناني، فنجده مزروعا في مناطق لبنانية عدة، ونراه أخضر يباع على جوانب الطرقات، لأن الحمص الأخضر مرغوب ومطلوب وذو نكهة رائعة. كما تجدر الإشارة إلى أنه يشوى في بعض المناسبات كعيد الصليب أو عيد العذراء، حيث يتجمع أهل القرية حول الهريسة والتمرية والحمص الذي يشوى في (قبولة) ترقص حولها الدبكة اللبنانية. في إمكاننا تحميص هذا الحمص نفسه مع القليل من الملح، فيأخذ حينها لقب (القضامة). وأيضا، من الممكن تحميص حب الحمص ثم استبدال السكر بالملح فيغلف الحمص الحب، ونحصل على الحمص المحلى. وأحيانا تضاف الصبغات الغذائية إليه فتتنوع الألوان. وفي الماضي، كان هذان الصنفان، المحلى والملون، من الحمص الحب يزينان أعلى (السنينية)، وهي الوصفة اللبنانية العريقة القائمة على سلق القمح المقشور، وتحليته بالسكر، وتطييبه بماء الورد والزهر، وتقديمه عند ظهور أول سن عند الرضيع».

وتضيف الدراسة، مفندة استعمالات الحمص المتعددة في لبنان: «من الممكن أن يسلق حب الحمص حتى يصل إلى أعلى درجات الاستواء، فتذوب الحبات في الفم، ويصفى من ماء سلقه، ويتبل بزيت الزيتون، ويطيب بالكمون، ويزين بالصنوبر اللبناني، ويقدم تحت اسم (البليلة). يدخل الحمص أيضا، عنصرا أساسيا في أكثر أنواع الفتات، حيث يبلل الخبز المستعمل بماء سلقه. فالحمص الحب إذن مغموس في عاداتنا اللبنانية وتقاليدنا وتراثنا وحضارتنا».

لكن كيف توصل اللبنانيون إلى ابتكار صحن الحمص الشهير؟ عن هذا السؤال يجيب الشيف رمزي: «في مطلع القرن التاسع عشر، ووفق ما يؤكده أعرق وأقدم وأكبر المنتجين، بدئ إنتاج الطحينة اللبنانية. فكان اللبنانيون، ولا يزالون، يستوردون السمسم من السودان، ويطحنونه في لبنان بين حجرين يلفان على بعضهما بعض، مما ينتج سائلا، هو الطحينة. وهكذا دخلت إلى لبنان الطحينة كمكون جديد، فوجب على مطبخنا أن يستوعبه، ويدخله في بعض من وصفاته. والجدير بالذكر أن الهدف الأساسي من إنتاج الطحينة في لبنان، كان صناعة الحلاوة. لكن الأهم، أن عنصرا جديدا دخل مطبخنا وهو الطحينة. لقد أظهر الفكر المطبخي اللبناني عبقريته بتحضير وصفة تعتبر تقنيا من الوصفات الصعبة وهي (الأرنبية) بمزج الطحينة مع أكثر من ستة أنواع من الحمضيات، لذا لن يستحيل عليه أن يصل إلى مزج (البليلة) ذات الحمص الحب المسلوق الطري بالطحينة. هل يستعصى عليه إضافة القليل من الثوم المدقوق والملح، وتقديم الصحن مزينا بالذهب اللبناني، أي زيت الزيتون؟».

وهنا يخلص الشيف إلى أن «الحمص الحب إذن مغروس في عاداتنا اللبنانية. فحتى وصول الحمص بالطحينة إلى ما هو عليه اليوم، مر بكل المراحل الاجتماعية والتاريخية التي سردناها. فلا نستطيع سلخ الحمص بالطحينة عن حضارتنا، فهو يحمل هويتنا». وهنا يسأل الشيف رمزي: «هل تستطيع إسرائيل أن تصرح بالشيء نفسه؟ هل تتمتع بحضارة الحمص مثلما ما يتمتع مطبخنا اللبناني بذلك؟».

التبولة لبنانية أيضا! أما التبولة، فهي بنت الطبيعة اللبنانية الخضراء، التي تنعم على المطبخ الغني بكم هائل من الوصفات النباتية، وعلى رأسها أنواع السلطات المختلفة التي تظهر من خلالها وفرة المياه في لبنان، ونكهة لا تضاهى في منتوجه الزراعي. من هنا تتوج التبولة هذه الأصناف كلها، وتستحق عن جدارة لقب «عروسة المازة اللبنانية»، فإلى المقدونس والبصل والبندورة، وأحيانا النعناع، يضاف البرغل وعصير الحامض الطبيعي وزيت الزيتون. ويبرهن الشيف رمزي من خلال دراسته المكونات الثلاثة الأساسية الأخيرة، أن التبولة لا يمكن إلا أن تكون لبنانية.

1- البرغل:

تشرح الدراسة أن «البرغل هو العنصر الأساسي للمونة اللبنانية؛ فزيت الزيتون والقاورما التي تحفظ بدهنها - وذلك بغياب البرادات - والفاكهة التي تجفف، والخضر التي تقدد، والحبوب من حمص وفاصوليا وفول ومربات وشرابات ورب البندورة، والحطب وحامض الحصرم، وأنواع الدبس المختلفة، والكشك، والبرغل، كلها من محتويات المونة».

لكن كيف يصنع البرغل؟ «من يزر حقول البقاع والهرمل وعكار والجنوب، فسوف يرى السهول ذهبية تتأرجح فيها سنابل القمح شامخة فخورة. يحصد القمح، وعلى البيدر يجمع، وتحت النورج تفصل الحبة عن قشرتها، في جو فرح ومهرجان، إذ يصعد الأولاد على النورج بينما الدابة تشده. ويذرى بعد ذلك القمح، ليفصل الهواء الحبة عن قشرتها، ويجمع الحب بعد ذلك في (خلقينة) واسعة، ويسلق حتى النضج الكامل، ثم يصفى، ويلتقط الأولاد بعض الحب المسلوق المتساقط، ويخلطونه بالقليل من الدبس أو السكر إن توافر، ويلتهمونه فرحين. بعد ذلك، ينشر القمح المسلوق تحت أشعة الشمس الحارة، ثم يجرش على الجاروشة وفق ثلاثة معايير: جرش ناعم جدا، لكي نحصل على طحين البرغل، ويستعمل إجمالا لتحضير الكبة القاطعة. جرش خشن للقمح الذي يطبخ بطرق عدة، ويقدم بالقرب من اليخنات. جرش ناعم للقمح، يستعمل لتحضير الكبة الأقراص، الكبة بالصينية، الكبة النية، خلطة الكمونة الجنوبية والتبولة. وكان البرغل الخشن من النشويات الأساسية التي احتلت المركز الأول قبل أن يدفعها الأرز جانبا». هذا يؤكد أن «البرغل من المواد الأساسية للمطبخ اللبناني، وهو مرتبط أشد الارتباط بتراثنا، فهل تتمتع إسرائيل بثقافة وحضارة البرغل مثلما يتمتع المطبخ اللبناني؟».

وتجدر الإشارة - بحسب الشيف رمزي - إلى توافر نوعين آخرين من التبولة في لبنان: التبولة بالقاورما، وهي شبيهة التبولة التقليدية، غير أن القاورما تضاف إليها وتقدم فاترة. والتبولة الكذابة، وسميت هكذا للنسب المعكوسة ما بين الخضر والبرغل فيها. فهنا أيضا، نرى أنه ليس للبنان نوع واحد فقط من التبولة، بل ثلاثة أنواع، مما يقوي موقعه وزعمه أنه وطن التبولة.

2- عصير الحامض الطبيعي:

شجرة الحامض من الأشجار الساحلية اللبنانية. وللتعويض عن غيابها في أعالي الجبال، التفت أجدادنا - بحسب الشيف رمزي - إلى مكون يكثر في تلك المناطق، وهو العنب، فقاموا باستخراج الحصرم من العنب الخضير، وهو عبارة عن سائل يستعملونه مكان الحامض في أكثر وصفاتهم، ومنها التبولة، وهو حامض الحصرم.

ويستنتج الشيف أنه «على مثال البرغل، نرى أن النكهة الحامضة، سواء كانت من حامض الحصرم أو دبس الرمان أو الحامض، لها ارتباط متين بالمطبخ اللبناني. فهل نستطيع تناول تبولة من دون حامض؟ رأينا ما فعله الفكر المطبخي اللبناني العبقري للتعويض عن ذلك، فيستطيع حينها أن يقدم تبولته كاملة المكونات، ومطابقة للوصفة اللبنانية التقليدية التي وصلها عبر الأجيال، وقد صقلها وفقا لجغرافيته ومناخه وعادات أهله. فأين إسرائيل من كل ذلك؟».

3- زيت الزيتون اللبناني:

«مثل أكثر البلدان المطلة على المتوسط، يمتاز لبنان بزيت زيتونه، ويبني مطبخه عليه. ومن السهولة بمكان الرجوع بالتاريخ، ودراسة استعمال زيت الزيتون في مطبخنا». ويشرح الشيف رمزي: «فإلى جانب الإثباتات التي يمكن لأي باحث تاريخي أركيولوجي أن يقدمها، وذلك لارتباط لبنان وفينيقيا بزيت الزيتون وكونه سلعة تجارية بامتياز كان ينقلها الفينيقيون إلى أنحاء العالم الجغرافي المعروف آنذاك، تبقى شجرة الزيتون من أقدم الأشجار، بعد الأرز (أو معه) في لبنان. خير برهان هو مجموعة رائعة من أشجار الزيتون المعمرة الموجودة على هضبة في قرية بشعلة بقضاء البترون، وقد أكدت الدراسات العلمية من قبل منظمات عالمية أن عمر هذه الأشجار يفوق الألفي سنة. منذ ذلك الحين، وربما قبله، يتم إنتاج زيت الزيتون في لبنان».

وإذا نظرنا من السماء، بواسطة التقنيات الحديثة التي أصبحت من خلال الإنترنت في متناول أطفالنا، نلاحظ انتشار شجرة الزيتون في منطقة الشرق الأوسط. ورأينا أن في لبنان كثافة هائلة من هذه الشجرة المباركة، لها امتدادات شمالا في سورية، وجنوبا نحو فلسطين والأردن.

«المطبخ الإسرائيلي».. بدعة صهيونية! يروي الشيف في دراسته قصة طريفة ويقول: «وقفت محاضرا في ندوة أقامها ناشر كتابي باللغة الإسبانية عن (تراث المطبخ اللبناني) في بونيس أيرس في الأرجنتين، مصرحا أمام حشد كبير من الكتاب والصحافة وأهم شيف يهودي، كان محاضرا هو أيضا، أن ليس هنالك ما يسمى بالمطبخ الإسرائيلي، بل هو معروف بالمطبخ اليهودي المؤلف من وصفات عدة، جمعت من حول العالم من خلال الانتشار اليهودي. فكل يهودي يتأقلم مع مطبخ البلد الذي هو سكنه، ويطبخ مثل البلد ووصفاته، وفقا لطريقة الطبخ الكوشير الخاصة بالدين اليهودي». «وإزاء تصريحي هذا - يضيف الشيف رمزي - وأمام عدسات الصحافة، وقف الشيف اليهودي الشهير والجميع يترقب جوابه، ولم يستطع إلا الموافقة والتأكيد على ذلك!».

ويضيف الشيف رمزي: «باعتراف أهم الباحثين اليهود، ليس هناك من (مطبخ إسرائيلي). هل يعرف اليهودي المقيم في كاراتشي، ما الحمص والتبولة والكبة والفلافل؟ هل يعرفها اليهودي المقيم في بونيس أيرس؟ طبعا لا. ولكن اعثروا على لبناني، في أي منطقة من العالم، واسألوه عن أية وصفة لبنانية، فسوف يسرد لكم كيفية تحضيرها!».

يحيلنا الشيف رمزي إلى كلوديا رودن، أهم باحثة في المطبخ اليهودي والمعروفة عالميا، لها أهم كتاب عن المطبخ اليهودي، حائز على ثماني جوائز عالمية، وهي تقول فيه: «خلال مؤتمر مطبخي عام 1992 في القدس، تمحور الجدل حول سؤال جوهري بقي من دون إجابة، وهو: هل المطبخ اليهودي موجود؟» يعلق الشيف: «تصوروا منذ سبعة عشر عاما، يتساءل كبار الأخصائيين الغذائيين عن وجود المطبخ اليهودي من عدمه!».

ويشرح الشيف أن رودن تعود في كتابها «إلى عام 1981 ولمحاضرة أعطتها في أكسفورد، حيث صرحت هي نفسها أنه لا وجود لمطبخ يهودي. مؤكدة على أن اليهودي الأوروبي يحضر وصفات يهودية يجهلها تماما اليهودي المقيم في المغرب أو الهند أو أميركا. ومع ذلك، تتابع رودن وتقول في كتابها المرجع أنها رغبت في استجماع عدد كبير من الوصفات اليهودية في كتاب واحد، مؤكدة أن ذلك يعني أنه لا يوجد مطبخ يهودي، بل وصفات تطبخ على الطريقة اليهودية، ومأخوذة من بلد المنشأ. كما تعترف رودن بصعوبة جمع هذه الوصفات، فمثلا عندما كانت تزور الجزائر والجالية اليهودية فيها، استفسرت عن كيفية تحضير الكوسكوس، فكان الرد: (تريدين وصفة الكوسكوس الخاص بأية مدينة؟) فتبين لها أنه حتى في البلد نفسه تختلف الوصفات، ولا تعرف القرى وصفات بعضها بعض». يشرح الشيف رمزي في دراسته أنه بحث في فهرس رودن عن الحمص والتبولة، فوجد أنها تستعمل كلمة (الآن)، وتقول: «الآن أصبح الحمص موجودا على الدوام في إسرائيل». واللافت للنظر أيضا أنها تحدد هذه الوصفات جغرافيا بإسرائيل فقط. «فهذا شيء طبيعي ومتابعة منطقية لدراستها: فاليهودي الهندي والمغربي والإسباني لا يعرف هذه الوصفات!».

أما المدهش في وصفة التبولة - كما يقول الشيف - أنها تؤكد وتقول حرفيا: «إن التبولة التي كانت تحضر منذ 100 عام في حلب والشام - والتي احتفظ بوصفتها اليهود عندما هاجروا إلى مصر وأميركا في منعطف القرن العشرين - أغنى بالقمح - ولم تستعمل عبارة (برغل) من السلطة الخضراء الملقبة تبولة، والمقدمة في المطاعم اللبنانية، والتي بالكاد تحوي قمحا فيها».

يتساءل الشيف رمزي: «أليس هذا اعترافا بأن التبولة لبنانية؟».