حلاوة الجبن يتنافس عليها أهالي حمص وحماة

طورتها عائلة سلورة قبل 60 عاما

TT

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة اجتماعية بين الأسر والأصدقاء الدمشقيين والزملاء في مكان عمل واحد، وتتلخص هذه الظاهرة أنه في حال سافر أحدهم إلى مدن الشمال أو الغرب السورية في مهمة عمل أو في زيارة استجمام وسياحة وترفيه فإنه وفي طريق عودته إلى دمشق سيعبر حتما من مدينة حمص التي تتوسط المدن السورية، وبالتالي فلا بد أن يتوقف لشراء حلاوة الجبن التي تعتبر من ألذ المأكولات الشعبية ذات المذاق الحلو.

شهرة الحماصنة في تحضير هذا النوع من الحلويات سبقهم إليها أهل مدينة حماة المجاورة لهم، حيث تشتهر بتحضيرها عائلة حموية معروفة منذ عشرات السنين وهي عائلة سلّورة، التي حققت شهرة واسعة في هذا المجال ويقال إن بعض أفرادها العاملين في مجال الحلويات هم من ابتكر هذا النوع منها وافتتح لها محلات كبيرة وراقية في أهم أسواق مدينة حماة وحتى في العاصمة دمشق، كما قاموا بتطويرها وتحويلها إلى مادة غذائية يمكن تصديريها إلى الخارج، كما يمكن للزائر أن يأخذها معه إلى خارج سورية كهدية لذيذة المذاق بعد أن تم تحضيرها بشكل لا يفسد موادها الأولية المصنعة منها وهي القشدة البلدية والدقيق السميد وغيرها من المكونات.

وقد يتساءل البعض عن هذا التنافس بين محضري حلاوة الجبن الحمويين والحماصنة وشهرة الأخيرين بها رغم انطلاقها الأول من حماة، ويجيب على ذلك بعض المهتمين بأن وجود مدينة حمص وسط البلاد وأن معظم المسافرين من وإلى العاصمة باتجاه مدن حلب والساحل السوري لا بد وأن يعبر منها ويتوقف في مطاعمها واستراحاتها القريبة منها، جعلها تشتهر أكثر، كما أن محضري الحلويات الحماصنة معروفون منذ سنوات طويلة بمهارتهم في تحضير ألذ أنواع الحلويات، وهناك أسر وورش تحضير حلويات مشهورة في هذا المجال كأبو اللبن والناطور وغيرهما، ولذلك قدموا حلاوة الجبن بشكل لذيذ ووضعوا بصمتهم عليها، ولكن وكما يقول هؤلاء يبقى هذا النوع من الحلويات ابتكارا حمويا وتحديدا لآل سلورة، حيث زرنا ورشتهم ومحلهم الذي تخصص ببيع حلاوة الجبن في الوسط التجاري لمدينة دمشق وافتتح قبل نصف قرن من الزمن، لنتعرف على كيفية تحضير هذا النوع من الحلويات وخصوصيته، والتقينا محمود محمد المحمد الذي يعمل لدى ورشة سلورة منذ أكثر من 35 عاما وتعلم لديهم كيفية تصنيع حلاوة الجبن وأتقنها بشكل جيد، حيث يشرح لـ«الشرق الأوسط» طريقة ومراحل تصنيعها قائلا: «نحضر في البداية المواد الأولية وهي الماء والسكر والسميد، ونقوم بخلطها وتسخينها على النار ومن ثم نقوم بتبريدها لمدة خمس دقائق، ونضيف إليها في ما بعد الجبنة البلدية (جبنة حلوم) ونتركها لمدة خمس دقائق ممتزجة مع السميد مع التحريك الدائم لها حتى تذوب الجبنة تماما مع الخليط والسميد، وبعد ذلك نأتي بالصواني الواسعة المحدبة ونفردها عليها بشكل متدلٍّ ونضعها على طاولات داخل الورشة، وبعدها يتم تقطيع الخليط الذي يكون قد صار على شكل رقائق سميكة، ويوضع في علب مجهزة بشكل فني وصحي ويسمى الناتج في هذه الحالة (حلاوة جبن سادة). وهناك النوع الآخر والأثمن منها والذي يطلق عليه (حلاوة الجبن المحشوة)، حيث يتم حشو الرقائق السميكة وبشكل فني متقن بالكريما والمكونة من سميد وحليب، ونجهزها هنا في ورشتنا. وهناك المحشو بالقشدة العربية المحضرة من حليب الأغنام البلدية، والتي تشتهر بها البادية السورية والقريبة من مدينة حماة حيث تأتينا الحشوة عادة جاهزة محضرة في ورش سلورة بمدينة حماة من خلال قطف وجه الحليب المغلي، ومن ثم تبريدها حتى تتصلب لتتحول إلى قشدة لذيذة المذاق، ويتم الحشو داخل الرقائق ومن ثم تلف حول الحشوة بشكل أسطواني طويل لتقطع في ما بعد إلى قطع أسطوانية أصغر بطول نحو 5 سم، لتؤكل في ما بعد باستخدام الشوكة ويضاف إليها عادة القطر الذي يوضع جاهزا على جانب الحلاوة في العلبة المغلفة بشكل جيد، وكذلك الحال بالنسبة لحلاوة الجبن السادة توضع في صحن وتقطع بالسكين والشوكة لتؤكل مع القطر».

وحول مستلزمات تحضير حلاوة الجبن قال المحمد: «المستلزمات والأدوات اللازمة في الورشة هي حلاّت التسخين الكبيرة والمخباط الذي يتم استخدامه لخلط وتحريك المزيج داخل الحلة ويحتاج إلى قوة بدنية جيدة من العامل». ويؤكد المحمد أن «أول من ابتكر حلاوة الجبن هم عائلة سلورة بحماة قبل نحو ستين عاما، حيث استفادوا من وجود الجبنة البلدية والقشدة العربية في البادية القريبة من حماة وحولوها إلى حلوى لذيذة المذاق، ويقول المحمد إن هذا النوع من الحلويات هو مأكول يومي حيث لا يتحمل التخزين لأكثر من عشر ساعات في فصل الصيف، بينما يمكن أن تتحمل فترة تخزين تصل لنحو 24 ساعة في فصل الشتاء، وبالتالي يمكن للمسافر أن يأخذ معه حلاوة الجبن ولكن بشرط أن لا تزيد رحلته بالسيارة أو الطيارة عن بضع ساعات، وأن يتم تناولها مباشرة عند وصوله لبلده. وهناك الكثير من اللبنانيين يطلبون حلاوة الجبن فنرسلها لهم، وحتى لها شعبية أيضا بين الأردنيين والسعوديين».

وحول إمكانية تطوير هذا النوع من الحلويات قال المحمد: «يبقى الأساس هو النوع البسيط من غير حشوة (السادة) والمحشو، ولكن عملنا على تحضير صنف آخر لذيذ المذاق منها سمي (معجوقة ماهر)، ويحضر بنفس طريقة الحلاوة السادة ولكن لا تمد بالصواني بل بالصحون، وتضاف إليها مباشرة القشدة والقطر وتقطع لتوضع في علب صغيرة أو صحون كرتونية، ويبدو أن تسميتها يعود إلى شخص اسمه ماهر من عائلة سلورة هو من قام بتحضيرها لأول مرة لتنتشر في ما بعد، كذلك تم تحضير نوع آخر منها يدعى (نغنوغة)، وهذه يضاف إليها الفستق الحلبي مباشرة مع الخليط ليزداد مذاقها لذة وتزداد فوائدها مع المكسرات».

ويرى المحمد أن لحلاوة الجبن فوائد كثيرة، فهي إضافة إلى مذاقها اللذيذ «تحتوي على نسبة مرتفعة من البروتينات والدهون لوجود الحليب والجبنة فيها، ولكن ينصح بعدم الإكثار منها لمن يعاني من أمراض كالسكري وارتفاع الشحوم والكولسترول لديه في الدم أو لمن يعانون من السمنة الزائدة، ولكن الكثيرين لا يقاومون (يبتسم المحمد) منظر حلاوة الجبن السادة والمحشوة بلونها الذهبي وهي تقدم في صحون فيقبلون عليها لتذوق طعمها اللذيذ».

ويبدو أن الحق مع المحمد في كلامه عن المذاق اللذيذ الذي لا يقاوم لحلاوة الجبن، خصوصا وأن البعض من أصحاب المحلات والأشخاص في منازلهم يضيفون عليها قطع البوظة العربية (الآيس كريم) في فصل الصيف الحار لتعطي منظرا ومذاقا ألذ وأشهى أيضا، بينما يضيف البعض إليها الفستق الحلبي المبشور أو جوز الهند الأبيض الناعم ليزداد أيضا مذاقها لذة ونكهة أطيب.