تعود تقاليد صناعة السجاد اليدوي في البوسنة إلى 3500 سنة خلت، وفق أكثر المراجع التاريخية حول الصناعات التقليدية في البلاد. ولكن رغم هذا التاريخ العريق، الذي استفاد من تجارب الثقافات التي تناوبت على حكم البلقان في هذا المجال، لم تتحول هذه الصناعة الحرفية الجميلة إلى سلعة تجارية معروفة دوليا، كحال السجاد الإيراني أو التركي، أو أيضا سجاد المغرب العربي الكبير، كسجاد القيروان (تونس) وتلمسان (الجزائر) والرباط ومديونة بالدار البيضاء (المغرب). الباحث الدكتور أسعد دوراكوفيتش شرح لـ«الشرق الأوسط» فقال: «كانت صناعة السجاد منتشرة في كل بيت، الأمر الذي لم يدفع الناس نحو التفكير في إنشاء أسواق ومتاجر لبيع السجاد البوسني». وتابع «حتى وقت قريب جدا لم يكن ثمة تفكير اقتصادي يعتبر السجاد سلعة اقتصادية يمكنها الإسهام في دعم الاقتصاد الوطني كرافد للتجارة الخارجية، أو محليا على مستوى محاربة الفقر وتحسين أوضاع الأسر المعوزة».
أما الرسّامة أميلا سمايوفيتش، وهي أيضا صاحبة مصنع للسجاد، فقالت: «فتحت المصنع عام 2005 لتحقيق رغبة دفينة في الجمع بين الفن التشكيلي وصناعة السجاد. ولقد لاحظت تقاربا كبيرا بين الفنّين، وكرّست رسالتي للماجستير حول هذا الأمر. فالرموز والصور والرسوم في السجاد البوسني العتيق هي لوحات في حد ذاتها، سواء فُرشت في الأرض، أو عُلّقت على الجدران». وعمّا إذا كانت دراستها لفن الرسم أثّرت على توجّهها ومساعيها للإضافة النوعية والمعاصرة للسجّاد في شكله العتيق، قالت أميلا: «هناك أشياء لا يمكن تغييرها، بل يجب المحافظة عليها كما هي. وهناك ما يمكن أن نعتبره إضافة نوعية أو لمسة جديدة أو إضافة عصرية مثل الحقائب اليدوية واللفاعات (الشالات) المزخرفة والقفّازات وغيرها». وكشفت عن آفاق جديدة لصناعة السجاد بإضافة أصناف جديدة عبر الاستعانة بالكومبيوتر، الذي يساعدها كثيرا في توظيف الألوان والأشكال المختلفة. ثم أردفت: «كانت رسالتي للماجستير حول السجاد البوسني، وكذلك بحثي للدكتوراه الذي أعده الآن. ولقد تلقيت الكثير من الجوائز في هذا الشأن، واليوم نسعى لتطوير صناعة السجاد ليكون له انتشار كبير وسريع في العالم، وبالتالي، نبحث عن أسواق دولية لترويج السجاد البوسني القادر على المنافسة». وبعد اطلاعنا على عدد من النماذج، قالت أميلا سمايوفيتش: «صناعة السجاد ليست شكلا من أشكال المحافظة على التقاليد فحسب، رغم أهمية ذلك من الناحية الثقافية والحضارية، بل هي أيضا مورد مادّي مهم، يستفيد من التصدير إلى أسواق الخارج. وهذا ما كشفته حركة السياحة في بلادنا، فالذين يزورون البوسنة يُبدون دهشتهم لهذه الصناعة التي ظلت إلى عهد قريب جدا من الأعمال المنزلية المكتفية بتوفير احتياجات الأسرة لا أكثر».
وأعربت أميلا، من ناحية ثانية، عن ألمها لتراجع صناعة السجاد على مستوى الأسرة البوسنية بعد ظهور السجاد الصناعي (الآلي) الرخيص، وقلة اهتمام الأجيال الجديدة من الفتيات ولا سيما القاطنات في المدن والكثيرات من الريفيات بهذه الصناعة الحرفية التي كانت تعلَّم في المنازل كما يعلَّم الطبخ وإعداد الطعام. ثم أثنت على زوجها الذي شجعها على فتح المصنع وتوظيف نساء معظمهن من نساء سريبرينتسا التي نُكبت عام 1995 بمذبحة فظيعة راح ضحيتها أكثر من 8 آلاف نسمة من المدنيين الأبرياء. كما أشادت بالمساعدات التشجيعية من قِبل بعض المؤسسات الثقافية، وعلى رأسها المشيخة الإسلامية ممثلة برئيس العلماء في البوسنة الدكتور مصطفى تسيريتش.
وعن أبرز زبائن المصنع الحاليين أجابت: «المساجد، ولا سيما العتيقة منها، تجهز أرضيتها بالسجاد الذي نعده في المصنع. كما يرغب كثيرون في اقتناء قطع من السجاد لإهدائه إلى الأصدقاء ولا سيما من غير البوسنيين، فليس هناك هدية أثمن وأطول عمرا من السجاد اليدوي». وتتراوح أسعار السجاد المنتج حاليا في مصنع أميلا بين 500 يورو و1500 يورو، وغالبا تمثل المساحة وقيمة القطعة القاعدة الأساسية في تحديد الأسعار. وعن الفترة التي يحتاجها إنتاج قطعة السجاد البالغ مساحتها 6 أمتار مربعة فتبلغ نحو مدة 4 أشهر، إذا كان جهدا فرديا.