بعد عقود من الإهمال.. شناشيل البصرة تعود إلى الواجهة من جديد

الحكومة المحلية شرعت في إحياء 44 دارا تراثية

زقاق في البصرة تطل عليه الشناشيل («الشرق الأوسط»)
TT

شرعت الحكومة المحلية في محافظة البصرة في تنفيذ مشروع إحياء 44 دارا تراثية مشيدة وفق طراز «الشناشيل» التي تعد من أبرز المعالم الحضارية والعمرانية في المحافظة، بعد عقود طويلة من الإهمال. وقال الدكتور شلتاغ عبود محافظ البصرة خلال زيارته لعدد منها في محلة الباشا بمنطقة نظران بالبصرة القديمة أمس: «تعد هذه الدور من الكنوز الأثرية والسياحية والمواقع التراثية لكن الحكومات المحلية التي أعقبت السقوط لم تلتفت إليها لانشغالها بالقضايا الأمنية». وأضاف: «حان الوقت الآن لإعادة ألقها وبهائها بعد توفر الأموال اللازمة والوقت الكافي للاعتناء بها والمباشرة بإعمار ثلاث منها كمرحلة أولى من المشروع الذي يتضمن إعمارها تباعا». وأكد عبود على «إمكانية استثمارها لاحتضان النشاطات الثقافية والفنية والإبداعية التي تستضيفها المحافظة خلال الفترة القادمة». من جانبها، ذكرت زهرة البجاري مسؤولة لجنة السياحة والآثار بمجلس المحافظة لـ«الشرق الأوسط» أن المجلس «مهتم بقضايا التراث والآثار والسياحة، ومن بينها الدور التراثية كونها مهملة وتحتاج للرعاية الخاصة وإعادة إعمارها لأنها من الصور الجميلة للمدينة التي تحتل حيزا في ذاكرتها»، وقالت: «لم تكن هذه الدور التراثية أسعد حظا من المعالم الحضارية والثقافية في المدينة، حيث تقاذفت المسؤولية عنها وزارات الثقافة وهيئة السياحة ووزارة الإعلام وهيئة الآثار والتراث والإدارة المحلية مرات عدة في زمن النظام السابق حتى تخلصت الإدارة من مسؤوليتها بتوزيع 41 دارا منها لسكن موظفي المحافظة الذين لم يدركوا أهميتها فدب التآكل فيها وانهارت أجزاء منها، مما أدى إلى تشوه منظرها وفقدان بريقها».

وبيوت البصرة التراثية بشناشيلها المعروفة شيدها المعماريون وفق طرز فريدة من الجمال والروعة قبل ثلاثة قرون وازداد تألقها بتقادم الزمن عليها لما كانت تحظى به من رعاية واهتمام في أوقات سابقة. وقد حافظت هذه البيوت التي شيدت واجهاتها على شكل لوحات تشكيلية زاخرة بفنون الزخرفة والخط والأشكال الهندسية المتداخلة، على جماليتها على الرغم من تجاعيد الزمن حيث تطلى بين حين وآخر بزيت الأخشاب المخلوط بماء الورد الذي يمنحها بريقا وعطرا يستنشقه المارة على مسافة بعيدة منها.. ويرى أبو خلدون عضو المجلس البلدي في محلة الباشا أن «العوائل القاطنة فيها أساءت إلى هذه الدور أكثر من تعريات الزمن عندما كانت متروكة، فبدلا من صيانتها وتطويرها لما توفر لهم من سكن جميل وبإيجارات رمزية باع البعض منهم أخشابها في أسواق الخردة لغياب الإشراف عليها وعدم اهتمام الحكومات المحلية بالمعالم الجميلة في المدينة». وأوضح أنه «لم تكن أهمية الشناشيل بمناظرها الأخاذة فحسب، بل لما تحمل من أريج الماضي المفعم بمحبة الناس ودفء وشائج أهل المحلة وألفة الشوارع والأزقة حتى سميت البصرة وقتذاك بمدينة الشناشيل وخلدها شاعرها السياب بديوانه (شناشيل ابنة الجلبي)». وتابع: «تتألف كل دار منها، التي تنوعت شناشيلها ما بين (المقبط وأبو الستارة والمخطط وأبو البالكونات)، من رواق ممتد من داخل الباب الرئيسي إلى باحة الحوش الذي تتوسطه نافورة محاطة بعدد من الشجيرات أو السناديل وتطل عليها أبواب الغرف وشبابيك غرفة الضيوف التي يكون بابها قريب من الباب الرئيسي ولا تخلو هذه البيوت من غرف أسفل الدار تسمى السرداب الذي يصل إليها من واحة البيت سلما خاصا وتستخدم عادة للنوم عند اشتداد الحر، وسلم آخر للصعود إلى الطابق العلوي الذي يطل على الباحة وتحيط به أسيجة خشبية مزخرفة ترتكز شرفاتها على أعمدة خشبية طويلة، فيما لا يخلو أي بيت من مخزن للمؤن ومطبخ، يحدد مكانه في نهاية الدار وتلتصق به غرفة للخدمة إضافة للحمامات ومكان لصنبور الماء». ما يميز هذه البيوت كثرة استخدام الزجاج الملون والمرايا التي تعكس ألوان الطيف الشمسي وألوانا أخرى عند إطلالة الشمس على باحة البيت مما يجعلها أكثر بهاء ومتعة، كما تتوزع الأقواس العباسية المستديرة والمدببة في عدة أماكن تضاف إلى جمالية المظلات المزخرفة في أعالي الشبابيك الخارجية التي تتكئ على أعمدة وأقواس وأعمال نحت وأشكال للفسيفساء. وحرص أصحاب هذه البيوت ممن كان لهم دور مشهود في الحياة السياسية والاجتماعية على أن تكون أبواب بيوتهم الرئيسية كبيرة ومن أنواع نادرة من الخشب تعلوها أقواس على شكل محراب، تتوسطه زخارف الأشجار ورسوم متنوعة، كما يتوسط الباب مطرقة، وعادة ما تكون على شكل رأس حيوان مصنوعة من النحاس، فيما اعتادت بعض العائلات على وضع رأس غزال أو «خضرمة» زرقاء كبيرة أعلى الباب لطرد عيون الحاسدين. ومن أشهر تلك البيوت التي ما زالت قائمة بيت الشيخ خزعل وطالب النقيب والعبد الواحد وهاشم النقيب والباشا أعيان.