نباتات الجنوب السعودي تسحب البساط من تحت العطور

الكادي والريحان والوزاب نباتات عطرية تقدم في المناسبات وتصنف كعلاجات وقائية ومهدئة

بعض الزهور العطرية التي تستخدمها النساء لتزيين المنازل والرجال لعمل العصايب («الشرق الأوسط»)
TT

باتت زهور الريحان والكادي والبعيثران والشيح، التي تنمو في مناطق جنوب المملكة العربية السعودية، منافسا للعطور الفرنسية. وعقب فترة طويلة الغياب عن الساحة تمكنت هذه النباتات العطرية من اقتحام جنبات المنازل ورؤوس الرجال وحقائب النساء، وفرضت روائحها الطيبة التي تستمر لـ5 أيام، على الرغم من تنوع الروائح المصنعة والمستوردة. ويأتي هذا التطور الإيجابي بعدما عاد الارتباط بعبق الماضي وتراثه، ليقلب صفحات الحداثة، ويعيد إلى الرواج الروائح الطيبية المألوفة لدى أهالي هذا الجزء من المملكة، التي عرفت منذ عهود بعيدة.

من جهة أخرى، يفيد الدكتور يوسف عمار، الذي يصنف نفسه «خبيرا للأعشاب»، بأن النباتات العطرية كالبردقوش - أو حسب ما يسميه البعض الوزاب، والريحان والكادي والشيح من النباتات العطرية، تعد مهدئة للأعصاب، في حين يستخدمها البعض كمشروب قد يضاف إلى الشاي. فالبردقوش يعتبر من النباتات الطاردة للغازات، ومفيد لمن يعانون عسر الهضم.

وأضاف الدكتور يوسف «أن ثمة نباتا تشتهر زراعته في منطقة عسير ويدعى (البعيثران)، وهو بنمو بكثرة، بالذات، في وديان هذه المنطقة بجنوب السعودية، ويصنف ضمن النباتات العطرية المعمرة، ويستخدم كشاي لتهدئة الاضطرابات الهضمية وكمخفض لنسبة السكر في الدم».

وأشار الدكتور عمار إلى أن نبات الكادي الذي تشتهر زراعته في جازان وتهامة عسير يستخدم مع الماء كمعطر له، هذا إلى جانب استخدامه من قبل النساء كنوع من الزينة، وكشكل من أشكال الروائح المعطرة، وتابع: «... وتستخدم أوراق الكادي كعلاج وقائي من بعض الأمراض والسموم، بالإضافة إلى وجود زيت يسمى زيت الكادي، يعتبر من أفضل الزيوت العطرية».

وأرجع عمار الإقبال الشديد على هذه النباتات العطرية إلى الفوائد التي التمسها فيها الأجداد قديما، بالإضافة إلى أنها نباتات معمرة لا تزول روائحها بعد فترة وجيزة، كما هو حال العطور المستوردة، وهذا إلى جانب استخدام بعضها كمعطرات لمياه الشرب.

وعن الريحان – ويسميه البعض الحبق - يرى عمار أن ثمة دراسة طبية تؤكد أن للريحان خصائص علاجية تتمثل في قتل الجراثيم والديدان الطفيلية التي تعيش في الأمعاء، وبحسب قوله «كان رائجا في الطب القديم خاصة عند الشعوب الآسيوية، ولقد صنف كمقاوم للعدوى ليستخدم بمعدل 3 إلى 4 فناجين يوميا كمشروب، لتميزه بمذاقه اللذيذ وعطره النفاث. ومن الشائع جدا استخدام الريحان في بعض المأكولات الأوروبية الشهيرة، لطيب مذاقه، لا سيما أن استخدام الريحان لم يعد حكرا على الجوانب الطبية فقط، أو لغرض الزينة والاستفادة من روائحه داخل المنازل».

هذا، وقامت «الشرق الوسط» بجولة في الأسواق الشعبية لترصد الإقبال اللافت من قبل النساء والرجال بحثا عن النباتات العطرية، التي لوحظ أن استخدامها لا يقتصر على غرض الحصول على الروائح الطيبة فقط، بل يشمل غرض الزينة، ذلك أنها تتمتع بشكل جميل لافت عندما توضع على نوافذ وممرات المنازل في عسير.

«العم» سعيد البارقي (66 سنة) قال في لقاء معه: «لم أستخدم في حياتي أيا من العطور المستوردة، فقد وجدت من النباتات العطرية المحلية هنا وكذلك روائح العود... الاختيار الأفضل. ثم إن أبناء تهامة عسير يعتمدون النباتات العطرية كشكل من أشكال الزينة الرجالية التي توضع على الرأس بطريقة معينة يتفرد بها أهالي المنطقة، وتجمع ما بين الكادي والشيح والريحان، ليشكل الثلاثة معا توليفة عطرية جمالية متكاملة. وغدا ذلك الشكل علامة تعريفية يعرف بها رجال تهامة عسير، ومدخلا لقراءة أولية أصيلة لثقافة القبائل في بعض المناطق الساحلية بجنوب السعودية».

وفي ركن آخر، التقت «الشرق الأوسط» «العم» مفرح عسيري، الذي يمتهن بيع النباتات العطرية. ويرى «العم» مفرح أن النباتات العطرية لم تعد حكرا على النساء، بل بات للرجل نصيبه منها، «وهو يعتمدها كزينة ومصدر آخر للروائح الطيبة. كذلك ما عادت الفئة العمرية التي تقبل على هذه النباتات تقتصر على مجموعة معينة، بل تجد اليوم جيل الشباب، من الجنسين، مهتما بشراء هذه النباتات، وبالأخص قبل موسم الصيف، ومنهم من يطلب باقة صغيرة، تصنع بطريقة معينة، لتعليقها كزينة داخل السيارة تعكس نمطا تراثيا عريقا ومحببا لأبناء عسير».

ومن جهتها، ترى السيدة فاطمة اللمعي، وهي مدرسة، أن تبادل «النباتات العطرية بين المدرسات بات ظاهرة شائعة جدا، وتحرص كثيرات منهن على زراعتها في أحواض للزينة، إذ الاستفادة من هذه النباتات كمعطرات عند وضعها بين الملابس، وكذلك تحت وسائد غرفة النوم وداخل حقيبة اليد، كما أنها تعتبر اليوم من الهدايا المحببة والمرغوبة عند حضور مناسبة معينة، إذ يصار إلى توزيع باقات صغيرة من هذه النباتات العطرية كشكل من أشكال الترف التراثي، يعيد تجسيد عادة قديمة جميلة جدا وعريقة جدا اعتادها أجدادنا».

أما السيدة عائشة شافي، وهي إحدى البائعات في الأسواق الشعبية، فقالت لـ«الشرق الأوسط» لدى الالتقاء بها: «على الرغم من من توافر الفخاريات لزراعة النباتات العطرية، فإن منظر العلب المعدنية التي تستخدم للأصباغ تعطي شكلا جميلا اعتادته النساء في المنطقة. فبعد أن تفرغ هذه العلب، يجري جمع نوع معين من التربة، وزرع جذور النبات العطري المطلوب، ومن ثم تروى وتعرض بشكل غير دائم لأشعة الشمس، لتنمو.. ومن ثم، تزين بها مداخل المنازل وشرفاتها. بل ويمكن أخذ بعض الأغصان بهدف وضعها بين الملابس أو تحت الوسائد لتعطي رائحة عطرية جميلة».