«حلويات البحصلي» اللبنانية.. شهرة عالمية وتاريخ تجاوز 133 سنة

أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وساسة ودبلوماسيون من أبرز زبائنها

حلويات «سعد الدين البحصلي» التي افتتحت عام 1878 في ساحة البرج
TT

من ساحة البرج، أو ما يعرف اليوم بساحة الشهداء، في وسط بيروت بدأت حكاية «حلويات البحصلي» في عام 1878 مع الشاب البيروتي سعد الدين البحصلي.

سعد الدين ورث هوايته عن والده سليم، واحترفها على أيدي أخواله من آل العُرَيسي متعلّما ألف باء المهنة التقليدية في محلاتهم الشهيرة، آنذاك، ليتفوّق عليهم بعد سنوات قليلة ويصبح طاهيا معروفا بـ«نفسه الحلو» في صناعة أشهر أطباق الحلويات الشرقية من المعمول والبقلاوة والكنافة وغيرها.

إنها شهرة تخطّت لبنان ووصلت إلى الدول العربية والأجنبية لتصبح مقصدا لشخصيات سياسية واجتماعية وفنية و«باب رزق» لآل البحصلي «تكاد خزنته لا تقفل من كمية ليرات الذهب التي تملؤها» على حد قول غازي سليم البحصلي، أحد أحفاد سعد الدين.

ومن «حلويات سعد الدين البحصلي» في ساحة البرج، التي كانت تتألّف من طابقين على مساحة أكثر من كيلومتيتر، ولدت الفروع الثلاثة الأساسية لأبنائه، أي الجيل الثالث من العائلة، وهم: منير وسليم وشفيق، ومن ثم تولّى أمر المسيرة فيما بعد أبناؤهم الذين يتنافسون حاليا في «معركة أخوية» لصناعة أطيب وأفضل حلويات تستحق أن تحمل اسم «البحصلي»، ويبدو أن مسيرتها تسير بخطى ثابتة نحو الجيل الخامس.

اليوم، بعدما اختار كلّ فرع من العائلة الانفراد بمحلات خاصة بها، فإن هذه المحلات موزّعة بين ثلاث مجموعات: الأولى تحمل اسم «البحصلي» ويديرها عامر منير البحصلي الذي حصل على حقوق العلامة التجارية الأصلية وهو لا يزال يتولّى إدارتها في وسط بيروت. والثانية يملكها ويديرها غازي سليم البحصلي وتحمل اسم «أمل بحصلي»، نسبة إلى زوجة غازي، التي كان لها دور أساسي وفعّال في نجاح محلاته واستمراريتها، وذلك بعدما عملت على تطوير أنواع عدّة من الحلويات الشرقية وعُرفت بها كالمعمول بحجمه الصغير، وعجينة الفستق المحشوة بالقشدة التي أطلق عليها «بحصلينو» وعجينة اللوز بالقشدة التي اختير لها اسم «لولوة»، وفروع هذه المجموعة موجودة في ثلاث مناطق داخل بيروت وفي محيطها هي فروع الحمرا وجل الديب وقريطم. والثالثة تحمل اسم «البحصلي إخوان» التي يملكها ويديرها عماد وزياد، إبنا شفيق البحصلي، ولها فرعان في الحازمية وسن الفيل بضواحي بيروت.

عن «سيرة» هذه المؤسّسة العريقة يقول غازي البحصلي (78 سنة)، وهو أحد أفراد الجيل الثالث من العائلة: «لا نزال نحتفظ بصفحات الجرائد التي يعود تاريخها إلى عامي 1914 و1921، بما تتضمنّه من حكايات وتقارير عن حلويات البحصلي التي كانت تنافس أهم الأسماء آنذاك، وبالأخصّ، العُرَيسي والصّمَدي اللذين كانت تجمعنا بهما علاقة قرابة وصداقة بعيدا عن أي شعور بالمنافسة أو الغيرة». ويتابع «لا أزال اذكر عندما كنت فتى صغيرا وكانت تقصدنا أهم الشخصيات في عالم الشهرة من الفنانين والسياسيين لتذوّق الحلويات الشرقية، وحملها معهم هدايا إلى بلادهم، ومن أهمّ هذه الأسماء أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش بالإضافة إلى أبناء أسر حاكمة عربية ورؤساء دول وسياسة ودبلوماسيين أجانب». ومما يستحق الذكر، هنا، أن «أمير الشعراء» أحمد شوقي، زار المؤسسة، وبلغ إعجابه بحلوياتها حد مدحها شعرا، فقال فيها:

قالوا إذا جبتَ البلادَ محدِّثا عن حلوِ بيروتٍ لأفخر معملِ اثنان حدِّث بالحلاوة عنهما ثغر الحبيب وطعم حلو البحصلي وعن حلويات «أمل بحصلي»، يلفت غازي إلى أنّها «لا تقتصر فقط على الحلويات التقليدية، بل تتعداها إلى ابتكارات أخرى، أهمّها البقلاوة ذات الأصل التركي، ولكن في محلاتنا بشكل خاص اتخذت شكلا وطعما مميزا».

ويشرح غازي أنه بدأ العمل مع أعمامه في ساحة البرج وهو لا يزال في سن الـ14 سنة بعدما توفّي والده. وقرّر أن يفتح محلا خاصا به في منطقة الحمرا قبل اندلاع الحرب اللبنانية في عام 1975 بأشهر قليلة. «هذا المحل، الذي بقي يواجه بأكياس الرمل، المرتفعة على بابه، القذائف التي كانت تحرق بيروت.. أيام كان العسكريون الإسرائيليون مستنفرين بأسلحتهم على مقربة منه، تجاوز الحرب، ومن ثم كان الأساس الذي نتج عنه فرعان آخران يحملان الاسم نفسه في منطقة قريطم برأس بيروت وضاحية جل الديب».

من جهة أخرى، يقول عامر بن منير، الذي لا يزال يتولى مهمّة إدارة «البحصلي إخوان»، معلّقا: «كان والدي يتميّز بين إخوته بحرفيّته المهنية والتجارية، فاختار أن يفتح محلا خاصا به في موازاة تعاونه مع إخوَته ووالده في الفرع الرئيس في (ساحة البرج)، الذي لم يصمد طويلا أمام القذائف في الحرب اللبنانية التي حوّلته إلى ركام».

ويروي عامر أن أباه منير البحصلي تولّى مع أولاده إدارة محلّه الخاص في ساحة رياض الصلح أيضا في وسط بيروت. ولقد توقّف هذا المحل لسنوات قليلة عن العمل قبل أن يعاد فتحه على أيدي أولاده بعد انتهاء الحرب اللبنانية، وهو لا يزال محتفظا بموقع البحصلي الأساسي في هذه البقعة من المدينة، بعدما تحوّل المحل الأصلي إلى الساحة منذ عام 1966. وتكاد المؤسسة تكون المؤسسة اللبنانية الوحيدة التي عادت وبنيت على أنقاض القديمة بعدما وضعت الحرب اللبنانية أوزارها تحت الاسم نفسه.

وعن الميزة التي تتمتّع بها «حلويات البحصلي» في وسط بيروت، يقول عامر «إنه حرصنا على التمسّك بأسس صناعة الحلويات الشرقية التقليدية كما كان منذ انطلاقتنا، وهو يشكّل العامل الأهم للمحافظة على نكهة صناعتنا الأصلية، وبالتالي على زبائننا. قد تكون أسعارنا مرتفعة قليلا مقارنة مع غيرنا، إنما النوعية تبقى هي الأفضل».

وفي حين ارتأى كل من أصحاب «بحصلي إخوان» و«أمل بحصلي» تركيز اهتماماتهم «الحلوية» في لبنان، اختار عامر بحصلي صاحب «البحصلي» في وسط بيروت أن يتوسّع إلى الدول العربية فاتحا فروعا له في مصر والكويت والسعودية وقطر، حيث كانت شهرة العائلة كفيلة في جذب محبي الحلويات.

واستحقّت «البحصلي» التي افتتحت في الكويت في عام 1987 جائزة العلامة التجارية الرائدة في الكويت (العلامة الفائقة) من منظمة «السوبر براندز» وذلك بعد اجتيازها معايير الاختيار الدقيقة التي وضعها مجلس العلامات التجارية الفائقة في المنظمة، قبل أن تلحق بالمحلات الموجودة في قطر، وتقفل أبوابها بسبب خلافات وقعت بين «البحصلي» في بيروت والشركة التي تتولّى إدارته في الكويت.