«مقهى فرنسا» ذاكرة مدينة.. وحكايات تلخص بعضا من تاريخ الدار البيضاء

الأميركيون يأتون إليه ليتأملوا الساحة التي صور فيها بعض لقطات «كازابلانكا»

المكان المفضل لزبائن من نوع خاص من الفرنسيين والأوروبيين والمغاربة
TT

تزداد المخاوف في الدار البيضاء من احتمال أن تفقد المدينة كثيرا من طابعها التاريخي، ومن ذلك بعض المباني والأمكنة التي تشكل «ذاكرتها التاريخية» خاصة في وسطها. بالفعل هدمت بعض المباني التي لها تاريخ عريق مثل فندق «لينكولون» في «شارع محمد الخامس» الذي يتوسط الدار البيضاء. وكان صمم هذا الفندق عام 1916 المهندس الفرنسي هيوبرت برايد، واشتهر الفندق بأنه كان يعد «وكر الجواسيس» الأميركيين خلال الحرب العالمية الثانية. اليوم لم تبق من الفندق سوى الأطلال؛ إذ إن مرور خط الترام، الذي يتوقع أن يعمل في نهاية هذه السنة أدى إلى هدم هذا المعلم التاريخي على الرغم من الاحتجاجات القوية لجمعية «ذاكرة الدار البيضاء».

ومن «الذكريات الفرنسية» في مدينة الدار البيضاء، يوجد حاليا «مقهى فرنسا» ليس بعيدا عن الميناء حيث كان يعتبر المقهى المفضل للفرنسيين والجاليات الأوروبية في زمن مضى.

يحمل هذا المقهى بين جنباته الكثير من الحكايات والكثير من الذكريات.. كان دائما المكان المفضل لزبائن من نوع خاص سواء كانوا من الفرنسيين أم الأوروبيين أم المغاربة.

يقع هذا «المقهى التاريخي» بين ملتقى شارع محمد الخامس وساحة الأمم المتحدة حيث يوجد مجسم الكرة الأرضية التي أصبحت معلما تاريخيا للمدينة، على الرغم من حداثتها نسبيا؛ إذ إنها شيدت في سبعينيات القرن الماضي. كان يطلق على «ساحة الأمم المتحدة» في السابق اسم «بلاص دو فرانس» أي «ساحة فرنسا» خلال فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب.

يوجد حاليا أمام المقهى فندق «حياة ريجنسي» وفي هذه المنطقة مثلت بعض مشاهد فيلم «كازابلانكا» الذي أنتج عام 1942، وهو من أشهر الأفلام الرومانسية في تاريخ السينما الأميركية، وكان من بطولة همفري بوغارت وأنغريد برغمان. ودأب كثير من الأميركيين على زيارة «مقهى فرنسا» لكي يتأملوا الساحة التي صورت بها بعض مشاهد شريط «كازابلانكا».

وليس بعيدا من «مقهى فرنسا» يوجد سور «باب مراكش» وخلف السور سوق الدار البيضاء العتيقة حيث يباع كل شيء، خاصة الألبسة الجاهزة والأحذية والمصنوعات الجلدية والمجوهرات الفضية، وهي نقطة جذب للسياح.

ومنذ أن وضع أول كرسي في هذه المقهى عام 1946، من قبل سيدة فرنسية، تحول المقهى مع تعاقب السنين إلى قبلة لشرائح متنوعة من سكان المدينة وزوارها، وكثيرون يفضلون تناول قدح من القهوة أو الشاي أو كوب عصير في «مقهى فرنسا» بغرض تأمل ساحة شهدت الكثير من الأحداث ذات الطابع التاريخي.

عندما فتح المقهى أبوابه، كانت مدينة الدار البيضاء قبلة الكثير من الفرنسيين خاصة الذين يعملون في مجال المال والأعمال، وكان المقهى هو المكان المفضل لهم من أجل عقد الاجتماعات والصفقات السريعة وتبادل المعلومات حول التجارة، في مدينة اعتبرت منذ إنشائها «رئة المغرب التجارية».

وهناك زبائن تعودوا على تناول القهوة في هذا المكان، كما أن المقهى تعود عليهم. يقول عبد الكريم أحمد مسرور، وهو من سكان «المدينة القديمة» القريبة من المقهى، إنه كان يرافق والده منذ صغره إلى المقهى. يتذكر أنه كان المقهى الوحيد في ساحة فرنسا (الأمم المتحدة لاحقا) وأنه كان يستقبل العديد من الزبائن.

كانت تملك المقهى سيدة فرنسية، لم يعد أحد يتذكر اسمها، كان يطلق عليها «مدام دو كافي» أي «سيدة المقهى». ويقول العارفون بتاريخ هذا المقهى إن رجل أعمال مغربيا كان يتردد في بداية السبعينات على المقهى، لكنه لم يكن يطلب شيئا، وذات يوم استفسرت منه صاحبة المقهى عن السبب الذي يجعله يجلس يوميا في المقهى ولا يتناول شيئا، وكان رده بأنه على استعداد لشراء المقهى كله وليس فقط مجرد فنجان قهوة أو كوب عصير، ويقال إن مالكة المقهى اعتقدت أنه يمزح، لكن الرجل اقترح بالفعل على السيدة الفرنسية مبلغ 700 ألف درهم (80 ألف دولار) وكان مبلغا ضخما في تلك الأيام، لذلك وافقت، لتنتقل ملكية المقهى عام 1971 من السيدة الفرنسية إلى رجل الأعمال المغربي. ويقال إنه در عليه أرباحا كبيرة على الرغم من أنه كان يقدم مشروبات بالأسعار التي تقدم بها في المقاهي الشعبية.

توافد على «مقهى فرنسا» شخصيات لامعة؛ منهم سياسيون وكتاب وفنانون ومشاهير. يقول محمد زرهي صاحب المقهى الذي اشتراه مند 8 سنوات، إنه سبق أن تناول القهوة في المقهى رؤساء دول؛ منهم على سبيل المثال الرئيس البلغاري السابق سيرغي ستانيشيفمند، مشيرا إلى أن عدة أفلام صورت في هذا المقهى كان آخرها الفيلم المغربي «علي زاوا».

المفارقة أن المقهى، الذي يعتبر من أشهر مقاهي المغرب على الإطلاق، عادي سواء تعلق الأمر بالديكور الداخلي أم المظهر الخارجي، وعلى الرغم من توافد الناس عليه بكثرة، فإنه لم يتغير فيه سوى الكراسي والطاولات، وفي الآونة الأخيرة، تم وضع جهاز تلفزيون، لكن لا يهتم الزبائن بمشاهدته بقدر ما يهتمون بمشاهدة المكان وما حوله.

وعلى الرغم من أشغال الترام التي بدأت منذ سنة قريبا من المقهى، فإن زبائن هذا المقهى لم ينقطعوا عنه، ومنهم من يعتقد أن الترام سيضيف جمالا وحيوية للمكان.

يرى بعض الناس أن شارع محمد الخامس أحد أعرق شوارع الدار البيضاء ببناياته التاريخية (المعمار الكولونيالي)، وسور «باب مراكش» منح «مقهى فرنسا» شهرة، في حين يعتقد آخرون أن المقهى هو الذي أعطى شهرة للشارع، لكن في كل الأحوال، المقهى ومحيطه يتبادلان «الفوائد».