متجر «فيطر».. قلعة «الأنتيكات» في الإسكندرية

يتكون من 3 طوابق تعج بالتحف من كل بلاد العالم

واجهة متجر فيها الانتيكات.. وجاهة وروعة ودقة في التفاصيل («الشرق الأوسط»)
TT

للوهلة الأولى تحسبه معبدا رومانيا أو أحد قصور روما في عصر النهضة أو متحفا عالميا للفنون، لكنه في الحقيقة ليس إلا متجرا للتحف والأنتيكات، يطل على شارع إسطنبول في منطقة محطة الرمل بمدينة الإسكندرية، ثانية كبرى مدن مصر، خلف المعبد اليهودي «إلياهو حنابي»، وعلى بعد أمتار قليلة منه منزل شاعر الإسكندرية العظيم كفافيس والمستشفى اليوناني القديم كوتسيكا الذي فارق فيه الحياة.

بين كل هذه الأماكن يظهر المتجر، الذي يعد من أروع مباني الإسكندرية، حاملا اسم مؤسس المكان محمد فيطر. ومثلما اعتادت أسرة محمد علي على تزيين واجهات قصورها بالأحرف الأولى لأسماء ملوكها مثل فؤاد وفاروق، حرص فيطر على تزيين المبنى بحرفي «M» و«F» اختصارا لمحمد فيطر، أما باقي المبنى فيزخر كل ركن من أركانه (ولا نبالغ هنا إن قلنا كل سنتيمتر) بالزخارف والنقوش.

يدير المتجر حاليا محمود فيطر، ابن محمد فيطر، الذي روى في لقاء مع «الشرق الأوسط» فصولا من حكاية المبنى الفخم، فقال «العقار عمره أكثر من 100 سنة، وكان في الأصل عقارا سكنيا يقطنه يونانيون. وكان صاحب العقار اليوناني صديقا عزيزا لوالدي، ولأنه كان يحب والدي فإنه باعه عند هجرته أحد المحلات في العقار، ثم اشترى والدي الباقي. وبمرور الوقت هاجر باقي السكان الأجانب من مصر. ومن ثم باشر أخي عملية إعادة تصميم الواجهة بعد عودته من إيطاليا مبهورا بالعمارة الإيطالية، وهكذا أحضر معه ديكورات وزخارف إيطالية جاهزة، وعمل تصاميم ورسوما ونقوشا للمبنى، وكان حريصا على أن يشبه متجر (فيطر) متجر (هارودز) في لندن ليخلّد اسم والدي».

وعن بداية المتجر نفسه، شرح محمود فيطر «في البداية كان المحل محلا للدهانات، ثم توسع العمل ليشمل بيع مقابض الأبواب والنوافذ، ثم بعد وفاة والدي أدخلنا الأنتيكات (العاديات) والتحف والمفروشات العصرية (المودرن) والتقليدية (الاستيل)، التي صرنا نجلبها من فرنسا وإيطاليا وألمانيا والصين، بالإضافة إلى الأنتيكات المصرية».

تبدأ الجولة في متجر «فيطر» بالطابق الأرضي الذي يعج بالتحف الثمينة وآلات البيانو العتيقة والتماثيل العاجية، وقد نقشت في نهاية الطابق قصيدة على لوح رخامي عن فن البهو. والمعروف أن البهو هو المكان الفسيح المخصص لاستقبال الضيوف. أما الطوابق الثلاثة الأخرى - التي يمكن التنقل بينها بسهولة في مصعد أنيق فخم مطلي بلون الذهب وتغمره النقوش يعيد الزائر إلى الزمن الملكي - فلا يخلو جزء من أسقفها من الرسوم الزيتية التي تروي قصة أسطورية أو حكاية تاريخية. كذلك تطل منها تماثيل مجنحة تضاء ليلا بأضواء متلألئة كأنها تحرس قصرا ملكيا. وهي تزخر أيضا بالثريات واللوحات الزيتية العتيقة. وأما الطابق الأخير، أو «سطح المنزل»، فيضم مجموعة من قطع الأثاث والتحف والتماثيل التي تصلح للحدائق والشاليهات وواجهات الفيلات، ليمثل المكان في النهاية قلعة أو معبدا تاريخيا ذابت داخل طوابقه وكل أركانه الحضارات الفرعونية واليونانية والرومانية والصينية والهندية والمكسيكية، ليضاهي في روعته بعض كبريات المتاحف.

وتابع محمود فيطر كلامه قائلا «المبنى كله للتحف والأنتيكات، ومنازلنا أنا وإخوتي لا تقل عنه، غير أننا قررنا أن يكون المبنى كله لخدمة زبائننا ولكي يستوعب هذه التحف، كما أن معظم اليونانيين والروس والإيطاليين يأتون خصيصا لتصوير المبنى، وفي الخارج يعتبرونه من أفضل المباني في الإسكندرية. وحقا جاء إلي أبناء بعض اليونانيين الذين كانوا يسكنون المبنى، ومنهم ستيليو اليوناني الذي كان مقيما في المنزل بشكله القديم وانبهر بشكله الجديد».

وعن أكثر أنواع التحف رواجا في أوساط الأجانب المترددين على المتجر، أوضح «أنا أعرض على الزبون التقليد والأصلي وأترك له حرية الاختيار، وأؤكد له أن التقليد عمره قصير لكن الأصلي عليه ضمان. والأجانب بشكل عام يشترون أشياء شبيهة بمنتجات خان الخليلي، ويحبون الأشياء القديمة وليس شرطا أن تكون من مصر، لكنهم يشترون أي أنتيكات تعجبهم».

وتابع فيطر بفخر «العائلات ذات المستوى العالي (الهاي كلاس) كلها تأتي إلى هنا. وقديما كان زبائن المكان من الملكات والأميرات، وكنا نعرفهم فردا فردا، وأبرزهم الأميرة فوزية، والملكة ناريمان وزوجها الدكتور أدهم النقيب، وما زال ابنهما المحامي الشهير أكرم النقيب يأتي إلينا. كذلك يقصدنا مندوبو الأمراء والأميرات وكبار الشخصيات العرب. ومن الفنانين كان يأتي إلينا دائما الفنان عادل أدهم، وكانت روحه مرحة جدا وكان يغمر المحل بهجة، والفنان الراحل أحمد زكي.. وأيضا من زبائننا الدائمين الفنان السكندري سمير صبري ويأتي معه العديد من النجوم العرب والأجانب، وكذلك من النجوم عادل إمام ويسرا وسمير غانم ومحمود عبد العزيز ومحمد نجم».

كلمة أخيرة هي أن محمود فيطر تعلّم من والده بعض أخلاقيات التعامل مع الزبائن التي يحافظ عليها حتى الآن، حتى إنه يدلل كل الزبائن ويعمل على راحتهم ويحرص على الإجابة عن كل تساؤلاتهم، وهو لا يبدي أي تأفف منهم حتى لو طلبوا أن يقوموا بمعاينة كل ما يضمه المحل من أنتيكات، وهنا علّق قائلا «الحكمة التي علمها لي والدي وأعمل بها حتى اليوم هي أن أي شيء أقدّمه للغير يردّ لي بشكل أو بآخر، وهو ما يجعل في رأيي للمحل زوارا من كل أنحاء العالم، يتهافتون عليه ليستمتعوا بهذا المتحف المتنوع الذي لم يدرج في أي خريطة سياحية».