المستحيل نفسه

مصطفى الآغا

TT

قرأت وسمعت وشاهدت مئات المقالات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، وكلها تتحدث عن القضية المصرية الجزائرية، وشاركت شخصيا في المعمعة، وأدفع حاليا ما أراه «ثمن الحياد». وليس سرا أن كل من خط سطرا في هذه القضية قد ناله بعض الشتائم من مشجعي أحد الطرفين أو كليهما، وحاول بعض الزملاء أن يجدوا حلولا، وها هو زميلي السعودي مساعد العصيمي يطالب عبر «الشرق الأوسط» بقمة عربية رياضية على غرار القمم السياسية والاقتصادية، وحاول صديقي السعودي أيضا موفق النويصر، وحاول الزملاء المصريون أمثال الراقية منى الشاذلي والهادئ علاء الغطريفي والمنطقي أشرف محمود، والجزائريان الراقيان سامية بو والشيخ بن خليفة، والقطري ماجد خليفي، واللبناني محمد حمادة، وعشرات غيرهم كلهم حاولوا جهدهم رأب الصدع أو وأد الفتنة، كما حاول الكاتب الكبير أنيس منصور أن يفتح عيون المتعصبين من أبناء بلده على أن ما يجمع بين البلدين أكبر بكثير مما يفرق بينهما، ولكن حتى اللحظة فلا حياة لمن تنادي..

وأنا متأكد مائة في المائة أنه من شبه المستحيل تبريد هذه الأجواء «الكروية والسياسية بعودة السفراء»، ما لم يكن هناك جهد صادق وفاعل وجاد، ليس بإقامة مباراة ودية كما يقترح الإخوة في الإمارات لأنها لن تقنع المتعصبين برمزيتها ولا بنتيجتها، فهي يجب أن تخرج بالتعادل (أي أن تكون مرتبة) حتى نخرج منها دون أضرار إضافية، ومن ظن أن مباراة بنغيلا في نهائيات أمم أفريقيا ستكون بداية عهد جديد وصفحة بيضاء بين الطرفين ثبت أنه مخطئ بالعلامة الكاملة، لأن النيران زادت اتقادا من اتهامات بشراء الذمم والحكام إلى شماتة واتهام بأن الوصول لكأس العالم لم يكن مستحقا..

وقد يبدو للبعض أن الأمر مجرد مماحكات رياضية، وهذه النظرة الساذجة خطيرة جدا، لأن الأمور ليست كذلك، ولا أخفي سرا أنني كنت ضيفا مع السفير حسام أبو زكي الناطق باسم الخارجية المصرية عبر فضائية ليبية، وقال جهارا بأن الخارجية تحسست الأمور قبل تفاقمها، وحذرت من انفلاتها قبل مباراتي القاهرة وأم درمان، لكن البعض اتهمها بأنها «تدحش أنفها في الشأن الرياضي».. وأعتقد أنه كان يتحدث عن بعض الإعلاميين «من الطرفين» الذين زادوا النار اشتعالا، وأنا مصر على أن الإعلام يتحمل بالدرجة الأولى وزر ما حدث، لأن شتيمة على الهواء ومسخرة على شعب كامل أو كذبة على صدر صحيفة مقروءة وخلط السياسة بالرياضة كل ذلك هو ما هيج الشارع، ودفع الملايين لكي تكون مستفزة من أي كلمة من أي طرف كان، ولهذا دفع المحايدون الثمن..

ومن هنا أضم صوتي لصوت الزميل مساعد العصيمي، وأطالب بأن يكون هناك جهد فاعل وليس حبرا على ورق من قبل القمة العربية المقبلة حول تفعيل العمل الرياضي العربي المشترك، وعودة كأس العرب والدورات الرياضية وانتظامها، وإبقاء دوري أبطال العرب وإجبار الجميع على المشاركة لأن اللقاءات المستمرة كفيلة بإذابة جليد الحساسيات وتبريد نار المناكفات وليس كما يعتقد البعض أن عدم وجود أي لقاءات رياضية عربية أفضل وأقل وجع رأس من وجودها، ويجب أن يقوم وزراء الإعلام قبل وزراء الشباب والرياضية باجتماع طارئ يبحثون فيه تجاوز البعض من الإعلاميين إن كانوا في القطاع الحكومي والخاص لكل الخطوط الحمراء، فزادوا النار لهيبا وصبوا الملح على الجراح وزادوها تقرحا.. ويجب محاسبتهم وإيقافهم عن العمل حتى يكونوا عبرة لغيرهم، لأن الإعلام بالأساس مسؤولية وسلطة رابعة وليس سلطة «بفتح كل الأحرف»..

يجب أن يكون هناك جهد عربي صادق وجاد، وإلا فعلى رياضتنا وإخوتنا وحتى على عروبتنا السلام..