البنت النايلون

TT

كتبت لي الأمريكية من اصل خليجي، نوره عبد الله الخالدي، تثني على ما اكتبه عن بغداد. تقول انها كثيرا ما زارت العراق مع اهلها وافتتنت بحياة بغداد.

«قررت اسرتي عندما كنت في سن المراهقة تمضية احدى الصيفيات في ربوع بغداد. لاحظت ان الناس كانوا ينظرون اليَّ بصورة خاصة، ولا سيما الى حذائي الذي لم يتواجد في بغداد. اعطاني ذلك شعورا بالانتصار. ثم ذهبنا الى سوق الشورجة لنشتري بعض اعاجيب الأواني العراقية، ولاسيما «السفرطاس». كنت اسير وراء والدتي اتستر بعباءتها لأتحاشى نظرات الباعة. لا اريد ان اظلمهم. عبرت نظراتهم عن مجرد الإعجاب بأناقتي. وفي اثناء تلك الجولة سمعت بائعا يقول لصاحبه «ادلع يا عريس وعروستك نايلون. هذي نايلون». ظلت العبارة تجلجل في اذني ولكنني طأطأت رأسي ولذت بالصمت. «فيا غريب كون اديب». طلبت مني والدتي الاسراع في مغادرة السوق. والآن وقد شابت الذوائب مني، تراودني رغبة ملحة في معرفة معنى ما قصده. قل لي يا ابن بغداد، هل هي شتيمة او استهزاء؟ ليس غرضي العودة لشتم ذلك البائع، إن كان ما زال حيا، وإن كان سوق الشورجة ما زال في الوجود». يا ليتك يا سيدتي سألت احد العراقيين في حينها. كل هذا العمر وانت تعانين من هذه العبارة البريئة؟ يا خسارة! تعود العبارة الى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما دخلت منتجات النايلون لأول مرة اسواق الشرق الأوسط، وخاصة جوارب النايلون النسائية. كانت غالية ونادرة واعتزت النساء بلبسها. ودلت على علو منزلتها وترفها. اصبح العراقيون يصفون أي شيء راق ومترف ورقيق بأنه «نايلون». اذا كانوا قد وصفوا هيئتك بأنك عروس نايلون، فقبل ذلك اشاروا الى لحية رئيس الوزراء، الشيخ الصدر، فقالوا انه «ابو لحية النايلون».

اذا عدت ثانية الى بغداد، فلا تنسي ان تمري على ذلك البائع وتقدمي له هدية «نايلون» على حسن اعجابه بك. وشكرا على رسالتك النايلون وكل العبارات النايلونية الحلوة التي، قلتها عني.

زاوية اليوم زاوية امريكية. فمن ذلك العالم الجديد وصلتني ايضا رسالة من الأخ مكي آخوند يشير فيها الى ما كتبته عن سماحة الشيخ الشيرازي وفلسفته السلمية القائمة على اللاعنف. يقول ما احوجنا الآن لمثل هذه المقالات:

«بعد حادث 11 سبتمبر، اصبحنا نحتاج كثيرا الى هكذا مقالات لتكون وسيطا بيينا وبين أبناء الأديان الأخرى الذين ينظرون الينا كارهابيين واصبح الإسلام والمسلمون موضع سخرية وتجريم الآخرين. ما اجدرنا بأن نترجم وننشر ما كتبه الشيرازي ودعا اليه، لنظهر هذا الجانب المشرق من دين محمد. لا بل واكثر من ذلك، ان نعلم اولادنا على افكاره بدلا من هذا التركيزعلى الحرب والسيف».

يا عزيزي الأخ هذا حديث ذو شجون. وحسب ما تقوله العامة «خليها في ما بيننا». نطالب العالم بأن يصدق دعوتنا للسلم ونبذ العنف وليس لنا أي ايمان حقيقي وعملي فيما نقوله. لي كتاب كامل في هذا الموضوع يضم فصلا طويلا عن اللاعنف والسلمية في الإسلام. زهقت الى ان استطعت نشره بطبعة رديئة وبكثير من الحذوفات. شجعني البعض لترجمته الى الإنكليزية ففعلت. مضت عشر سنوات وانا ابحث عمن يتطوع لنشره. «خليها بينا» يا سيدي. ونتصور الغربيين من البلاهة بحيث يصدقوننا.