ضرورة الحوار العربي الأوروبي.. وضآلة نتائجه

TT

للحوار العربي الأوربي مبررات قوية تاريخية، واقتصادية، وثقافية، وأمنية، وجيوسياسية، كما أن له أهدافا صائبة لتحقيق منطقة مشتركة للسلام والاستقراروالتنمية، والوفاق بين الشعوب وثقافاتها، وأديانها ومصالحها. ومع ذلك فإن نتائج الحوار العربي الأوربي متواضعة، أشبه ما تكون بمشروعات التضامن العربي الشهيرة بوثائقها، الشحيحة بواقعها. فما الذي يفسر ضآلة نتائج هذا الحوار مع أهميته وحرص أطرافه عليه؟

أولا: النظم غير الديمقراطية تحرص على الدخول في اتفاقيات كوجه من وجوه العلاقات العامة، ولكنها لا تستطيع أن تلتزم باتفاقيات قد تسبب تراخيا في القبضة الأمنية، أو قد تنطوي على اجتهاد سياسي، يخرج على مرجعياتها السياسية الجامدة.

ثانيا: هنالك قضايا إقليمية متفجرة، والحوار يدور حولها، ولكنها تؤثر على جدواه، أهم تلك القضايا في:

* حوض الأردن

* حوض دجلة والفرات

* حوض الخليج

* حوض البحر الأحمر

* حوض النيل

ثالثا: الحوار العربي الأوربي الحديث انطلق من إعلان برشلونة عام 1994، وفي هذه الأثناء تغير الموقف الدولي من الحرب الباردة إلى القطبية الواحدة، التي أعطتها أحداث 11/9 أجندة هجومية، أحادية، استباقية، ذات تأثير كبير في المنطقة، وقد دارت حول أربعة محاور: حرب أفغانستان، وحرب العراق، والحرب ضد «الإرهاب» المعرف بصورة فضفاضة، وبروز الأجندة المشتركة الأميركية الإسرائيلية. هذه التطورات فرضت آثارها على كل أحوال المنطقة:

في وادي الأردن: حاولت إسرائيل إبداء رؤيتها للسلام. وتصدت لها المقاومة الفلسطينية، ووقع استقطاب حاد تزامن مع حرب أميركا وحلفائها على العراق. وفي محاولة لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، أعلن عن خريطة طريق للسلام في مايو 2004، برعاية أميركا والاتحاد الأوربي، وروسيا، والأمم المتحدة. هذه الخريطة ولدت ميتة لأن إخراجها في قمتي شرم الشيخ والعقبة غيب ثلاثة من رعاتها، مبقياً على الراعي الأميركي وحده، ولأن ركنين من أركان عملية السلام هما سوريا ولبنان لم يحضراها، ولأن الجانب الفلسطيني مثله رئيس وزراء، تم تقديمه كأنه محل ثقة أميركا وإسرائيل لا أهل فلسطين، ولأنها أوجبت وقف إطلاق النار، ووصفت الطرف الفلسطينى إرهابيا.

أجهضت «خريطة الطريق» واتصل التصعيد بين ما تمليه إسرائيل وترفضه المقاومة إلى وفاة الرئيس ياسرعرفات في 11 نوفمبر 2004. أعقب انتخاب محمود عباس رئيسا، طائفة من الإجراءات أطلقت أملاً بإحياء عملية السلام، ولكن الأمر كله ما زال بين بين. وفي وادي الرافدين: سممت الحرب العراقية المناخ الدولي، ونشأ استقطاب داخلي بين مهادني الاحتلال ومقاوميه، واستقطاب دولي بين أميركا وحلفائها، والاتحاد الأوربي، باستثناء بريطانيا ومن تحالفوا مع أميركا، وحلفائه. فيما واجه التحالف بقيادة أميركا في العراق، بعد احتلاله معارضة مدنية، ومقاومة مسلحة، وجبهة عراقية مع حركات الغلو الإسلامي. وقدرت واشنطن أن هذه المواجهات يسندها التحالف الإيراني السوري اللبناني، فصعدت موقفها ضد إيران في أمر برنامجها النووي، وضد سوريا مما أدى لإصدار مجلس الأمن للقرار 1559 لجلاء القوات والأجهزة الأمنية السورية من لبنان، ونزع سلاح الميليشيات.

في لبنان تيار وطني يعلن أن دور القوات السورية في لبنان قد اكتمل، وبموجب اتفاق الطائف ينبغي انسحابها. وهناك تيار آخر يرى ضرورة استمرارها في لبنان، ما دامت الحرب مع إسرائيل مستمرة. الموقف الأول تدعمه قوى لبنانية كبيرة، وصار رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري رمزاً له، والموقف الثاني تدعمه قوى لبنانية أخرى يرمز لها الرئيس إميل لحود .والى ذلك فجر اغتيال الرئيس الحريري في 14 فبراير استقطابا سياسيا لبنانيا واسعا، بين من اتهموا سوريا بتدبيره أو على الأقل العجز عن حماية الشهيد، ومن اتهموا اسرائيل بذلك، فأدى هذا الموقف لتصعيد مشترك أميركى ـ فرنسي لإجبار سوريا على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1559 وإلى مساجلة جماهيرية بين اللبنانيين.

وهناك الموقف من الملف النووي الإيراني ما بين الأسلوب الأوربي الناعم، والأسلوب الأميركي الخشن.

هذه العوامل خلقت مناخاً سياسياً ودبلوماسياً مثبطاً للحوار العربي الأوروبي.

رابعا: لا يمكن للحوار العربي الأوربي أن يفلت من تأثير السياسات الأميركية في المنطقة.

فهناك فوارق واضحة مع وجود رؤى غربية مشتركة بين أميركا وأوربا، فالسياسات الأميركية الدولية أكثر طوباوية وأحادية وكونية وانحيازا للوبيات الصهيونية، والسياسات الأوروبية أكثر براجماتية وتعددية، وإقليمية، وأقل انحيازا.

خامسا: كانت أميركا مصدراً مهما في التاريخ الحديث لحقوق الإنسان والديمقراطية، أما بالنسبة للشرق الأوسط فإن حرصها على أمن البترول وإسرائيل، جعلها تركن للتحالف مع دول غير ديمقراطية. فعقب أحداث 11 سبتمبر، ولأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي، اعتبرت أميركا أن غياب الديمقراطية في المنطقة، يخلق توتراً بين الحكومات وشعوبها، وأن قوى احتجاج شعبية مؤثرة تستهدفها باحتجاجها لمساندتها للنظم غير الديمقراطية، وبدا لها أن هذه النظم تدعم شرعيتها بالتركيز على النزاع العربي الإسرائيلي. لذلك أطلقت واشنطن مبادرة الشرق الأوسط الكبير، وفي لقاء «سي ايلاند» في يونيو 2004 انطلقت مبادرة الدول الثمانية. وفي ديسمبر 2004 عقد لقاء الثمانية مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فأفضى إلى تكوين منبر الشراكة من أجل المستقبل لتعزيز التحول الديمقراطي والتعاون التنموي.

هذه الآمال والتطلعات والبرامج يهددها أمران: حدة الاختلافات حول الأزمات الإقليمية لا سيما في فلسطين والعراق، وأمن الخليج، وحرب «الارهاب». وأن هذه البرامج تتعامل مع الطرف العربي، ممثلاً في الدول العربية وحدها، مع دور خافت مواز لبعض منظمات المجتمع المدني. والموقف الرسمي العربي أحرص على الأوضاع كما هي.

سادسا: ليصبح الحوار مثمرا، المطلوب تمييز الموقف الشعبي المدني العربي من المواقف الرسمية، وتمييز الموقف الأوربي من الأميركي، وتأثير هذين التطورين على منبر الشراكة من أجل المستقبل.

سابعا: الحوار العربي الأوربي ضروري، ولكنه مشلول بسبب عدم التكافؤ بين دول ديمقراطية وأخرى أوتوقراطية، وغياب الشعوب العربية عن الحوار، وتأثير النزاعات الإقليمية، وتأثير السياسات الأميركية. ولكي يصبح الحوار مثمراً ينبغى:

* أن يخرج الموقف العربي من حالتي التشتت والاستقطاب الرسمي الشعبي، إلى حالة توافق بين الشعوب وحكوماتها.

* أوربا حققت إنجازاً تاريخياً باتحادها وبدستورها، والمطلوب أن يستقل موقفها الدولي من أجندة الصقور في الولايات المتحدة، أو جر أميركا بعيداً عن تلك الأجندة. وألا يحصر الأوربيون علاقاتهم العربية في إطار الحكومات فقط. ينبغي أن يكون الحوار ذا ثلاثة أضلاع: ضلع أوروبي، وضلع عربي رسمي، وضلع عربي شعبي مدني.

إذا توافرت هذه المقومات فإنها سوف تؤثر إيجابياً في نتائج الحوار العربي الأوربي والعكس بالعكس.