الصافي النجفي بين القط والفأر

TT

أحمد الصافي النجفي من أرق شعرائنا وأرهفهم حسا، لا في عصرنا هذا وانما في كل عصور الأدب العربي. له حكايات كثيرة تروى عن مدى رقته وعمق انسانيته. سمعت منها أن أحد الأدباء رآه جالسا على دكة في شارع الرشيد وهو يبكي. قصده وسأله، ألست الشاعر الصافي النجفي؟ قال نعم، أنا هو. عاد الرجل فسأله ولماذا تبكي؟ هل فقدت أحدا من أحبائك؟ أجابه قائلا وهو يكفكف دموعه، لا. كنت فقط أراجع هذه الدائرة لتجديد جواز سفري. فنهرني الموظف. لا عجب ان بادر الى ترك العراق وراءه في باكورة حياته وقضى أيامه بين الشام ولبنان. تجلت رقة مشاعره بصورة خاصة في تعلقه بالحيوانات، بل وحتى الحشرات، وعطفه عليها. لم يتزوج ولم يتبادل الهوى مع اي امرأة واكتفى بقط شاركه حياته وحرك قريحته فقال فيه:

* وكم عانيت من خجل لقط

- بحضني قد أقام كأنه ابني

* يراه الناس حينا لاصقا بي

* وحينا لاحسا كفي وذقني

- يخال عباءتي ملكا لديــه

* فيدخل تحتها من غير إذن

- وكم قد خال غارا ردن ثوبي

* فأقبل واختفى ما بين ردني

- يموء فليس يفهمني مرادا

* فينصب عينه بإزاء عيني

- يحك بذقنه كفي ارتياحا

* ويقفز لاعبا من فوق متني

- يعض أناملي عضا لطيفا

* ويخدشها دعابا دون ضغن

- فهل هو شاعر القطط التقى

* بي فألف بينه طبع وبينـي

- يرى قلمي على القرطاس يجري

* فيمسكه ترى ما كان يعني؟

وهذه إشارة طريفة ان يتصور قطه شاعر القطط. ربما كان أمير شعراء القطط. ويظهر ان قطة هذا كان شاعري المزاج مثله فتعايش مع فأرة في ذات البيت. بيد ان هذه الفأرة نغصت منام الصافي النجفي فقال فيها:

* ورب فأرة في القرض ليلا

- متى ما رمت نوما ازعجتني

* اذا شعرت بيقظتي استكانت

- وإن شعرت بنومي أيقظتني

* اقول لها اقرضي وكلي نهارا

- وفي الليل اتركيني واستكيني

* فإني في النهار أخو عناء

- واطرح العنا ليلا بكنــي

اخيرا لم يملك الشاعر غير ان ينصب لها مصيدة فاصطادتها. راحت الفأرة تئن وتوصوص لتستعطف الشاعر فلم يستطع غير ان يخلي سبيلها ويطلقها من أسرها. وكما قلت أحاط بعطفه حتى الديدان والحشرات فقال:

* ولست أرد ضيفا قد أتاني

- من الحيوان او أنس وجن

* ولست بمخرج ديدان بيتي

- وأخجل حين دفع البق عني