نصيحة: لا تبخس نفسك

TT

تعودت منذ أن تأكدت أنني كائن من ضمن هذه الكائنات التي تدب على وجه الأرض، أقول إنني بعد أن تأكدت من ذلك تعودت أن أناصب نفسي العداء سراً وعلناً ـ بمعنى أنني أكون دائماً صادقاً معها ـ لا أنافقها ولا أمتدحها ولا أتغزّل بها، بل بعكس ذلك تماماً، فكثيراً ما قرّعتها وشتمتها ولطمتها ونقدتها وعدّدت ذنوبها، ولولا قليل من الخوف لفضحتها وشهّرت بها علنا، واللي ما شاف يتفرّج.

هذه الطريقة الفجّة مع نفسي هي التي دعت رجلا محترما وحكيما أن يلاحظ أسلوبي السخيف هذا، فما كان منه إلا أن يختلي بي جانباً ويقول لي ناصحاً: يا فلان يا ابن الحلال، لا تبخس نفسك، صحيح أن فيك ما فيك من المساوئ، ولكن لديك على الأقل بعض المزايا.

سألته: مثل ماذا؟!

ـ لا أذكر، ولكن فتش في أعماقك (ودعبس)، فلا بد ان تجد هناك شيئا ما يستحق الذكر، فالمجانين، وهم المجانين يا أخي، لديهم أحياناً بعض المزايا، ألم تسمع عن الأثر القائل: (خذوا الحكمة من أفواه المجانين)؟!.

أيدته في كلامه أو نصيحته تلك، وزيادة على اعترافي بجميله طبعت ـ للأسف ـ قبلة على جبينه (المزيّت)، ثم ذهبت رأساً إلى الحمام وغسلت فمي بالماء والصابون، ثم فركته جيداً.

بعدها بدأت (أدعبس)، بدأت أنظر وأتأمل بوجهي في المرآة، بدأت أتفنن بلباسي، بدأت أحلم، بدأت أمشي على جنب، بدأت أغازل.. وفعلاً هذا ما حصل قبل أسبوع عندما واجهت فتاة في حفلة جماعية، لا أكذب عليكم، أن تلك الفتاة قد (خلبت لبّي)، كانت غاية في الجمال والأناقة والحياء كذلك، وقد ذكرتني بالممثلة (بروك شيلد) عندما كانت في عز مراهقتها الخلاقة ـ وقبل أن (تسترجل) ـ المهم أنني وجدتها (يا حبة عيني) منزوية لوحدها من شدّة الكسوف، فتذكرت نصيحة الرجل المحترم الحكيم الذي (علمني حرفاً وصرت له عبداً)، فما كان مني إلا أن أتقدم ناحية تلك الفتاة وأقابلها وجهاً لوجه، ولم يفصل بين وجهينا غير (سنتيمتر واحد) أو يمكن أقل، وذلك لكي أقدم لها نصيحة (لله في لله) وليس لها أي هدف آخر.

قدمت لها في الواقع عدّة نصائح بالأخلاق والثقة بالنفس، وختمت كلامي مشجعاً لها وقائلاً: إنك ما شاء الله تستحقين أن تكوني عن جدارة (مانيكان) لتعلمي النساء كيف يكون الجمال على أصوله.

كانت تستمع إلى كلامي وهي منتشية من شدة الفرح، غير أنني ما أن توقفت عن كلامي ومديحي لها.. حتى شاهدت غيمة حزن تجتاح فجأة ذلك الوجه.

سألتها مفجوعاً: خير إن شاء الله؟!، قالت: لديّ مأساة، مشكلة، ألم تلاحظ طوال حديثك معي أنني أضع وأشبك يدي خلف ظهري؟!، قلت لها: لاحظت ذلك، وأنا بالمناسبة أحب البنت التي تفعل ذلك لأنها تعطيني الإحساس بأنها مستسلمة لي، فأرجوك: (لا تبخسين نفسك).

تبسمت ثم فردت يديها أمامي، وإذا بي أشاهد (يا للهول) يدي ملاكم من الوزن الثقيل، كانت كل يد من يديها تزن، بدون مبالغة، ما لا يقل عن (عشرة كيلوغرامات)، وفوق ذلك هي ممتلئة (بالثواليل والدمامل)، ولونها أحمر على أصفر على بنفسجي. ومدت يديها لتتحسس وجهي، فما كان مني إلاّ أن أقفز لا شعورياً للخلف مرعوباً، وقد تحول (السنتيمتر الواحد) بيني وبينها إلى (ثلاثة أمتار).

ورحت أتراجع وأمشي (على ورا) في الوقت الذي كانت فيه هي تتقدم نحوي وتؤشر بيديها (اللي ما أعدمها)، قائلة لي: تعال، لا تخف، ما راح آكلك.

[email protected]