كتابات للصيف: أسفر الصبح فنشر الله رحمته

TT

انصرف الرحالة المسلمون الى وصف المواقع والاحوال والمشاهدات اكثر مما تحدثوا عن الرحلات نفسها وتفاصيلها كما فعل الغربيون. وكان احد الذين توقفوا عن هول البحار العالية والغيوم الساقية والرياح العاتية، الاندلسي ابو الحسن محمد بن احمد بن جبير الذي ولد في بلنسية عام 1145 وعاش في غرناطة وعمل كاتم سر أميرها ابو سعيد بن بحر امير الموعدين. وقد قام بن جبير بثلاث رحلات الى الشرق الذي أحب، لكنه لم يدون سوى رحلته الاولى في «تذكرة الاخبار عن اتفاقات الاسفار» عام 1183م، واما الرحلة الثانية فقام بها لما سمع باخبار انتصار صلاح الدين على الصليبيين في بيت المقدس، والثالثة لما توفيت زوجته التي احبها حبا جما وأحزنه غيابها فجاء الى مكة يصلي ويجاور. وبعد مكة سافر الى الاسكندرية التي توفي فيها عام 1217، بعدما كان ترك من وصفها الكثير. وقد طاف في آثار مصر، ويقال انه هو الذي اطلق لقب «ابي الهول» على تمثال الصمت العظيم.

يبدأ ابن جبير بوصف خروجه من الاندلس «في يوم الجمعة من شوال قابلنا بر جزيرة وبعده قابلنا جزيرة منورقة (مايوركا) ومن سبتة اليها نحو ثمانية بحار والمجرى مئة ميل. وفارقنا بر هذه الجزيرة المذكورة وقام معنا بر جزيرة سردانية (سردينيا) اول ليلة الثلاثاء، وهو الثامن من مارس، دفعة واحدة على نحو ميل او اقل. وبين الجزيرتين نحو الاربع مئة ميل فكان قطعا مستغربا في السرعة. وطرأ علينا من مقابلة البر في الليل هول عظيم، عصم الله منه بريح بريح (...) فاخرجنا عنه. وقام علينا نوء هال له البحر صبيحة الثلاثاء فبقينا مترددين بسببه حول بر سردانية يوم الاربعاء بعده فأطلع الله علينا في حال الوحشة وانغلاق الجهات بالنوء فلا نميز شرقا من غرب، مركبا للروم قصدنا حتى حاذانا، فسئل عن مقصده فاخبر انه يريد صقلية وقد جاء من قرطاجنة، فأخذنا عند ذلك في اتباع اثره، والله الميسر لا رب سواه (...) وفي ليلة الاربعاء بعدها, استشرت الريح والمطر عصوفا حتى لم يثبت معها شراع، فلجأ الى استعمال الشرع الصغار. فأخذت الريح احدها ومزقته وكسرت الخشبة التي ترتبط الشرع فيها، فحينئذ تمكن اليأس من النفوس وارتفعت ايدي المسلمين بالدعاء لله عز وجل. واقمنا على هذه الحال النهار كله. جنَّ الليل مترددين بين اليأس والرجاء صوب صقلية فلما اسفر الصبح نشر الله رحمته.