لبنان في تقاطع المحاور

TT

فجأة وبسريّة تامة، ولأسباب أمنيّة، حطّ قائد المنطقة الوسطى الجنرال ديفيد بترايوس في لبنان، ليلتقي رئيس الوزراء وقائد الجيش. وكان موضوع اللقاءات بالطبع هو تسليح الجيش اللبنانيّ.

يزور الجنرال الاميركيّ لبنان في ظروف اميركيّة، ولبنانيّة تختلف عن الظروف السابقة. لكن كيف؟

في اميركا هناك مرحلة انتقاليّة بين ادارة وادارة. بوش يذهب، ويأتي اوباما مع فريق جديد – قديم. والجدير ذكره، ان الرئيس المُنتخب طلب من وزير الدفاع الاميركيّ الحاليّ الاستمرار في مهماته. وبما أن اميركا تخوض حربين على الاقلّ حتى الآن، في افغانستان والعراق، فمن الضروري، وإذا ما بقي وزير الدفاع، ان لا يكون هناك تغيير في القيادات العسكريّة، خاصة إذا كانت ناجحة. إذاً هناك استمرار من الناحية العسكريّة.

أما في لبنان فهناك مرحلة جديدة على صعيد استرداد الدولة لدورها، حتى وإن اسميّا. فهناك رئيس للبلاد، وهناك قائد جديد للجيش، كما هناك قائد جديد للمخابرات. ويُذكر أن مدير السيّ.آي.أي زار مدير المخابرات اللبنانيّ، كما زار مدير المخابرات اللبنانيّ دمشق. ثم زار قائد الجيش اللبنانيّ دمشق، وقبل أيام زار قائد المنطقة الوسطى الاميركيّ قائد الجيش اللبنانيّ للتعارف ووضع أطر آليّة العمل المستقبليّة. وأخيرا وليس آخرا، تعهّدت موسكو مساعدة الجيش اللبناني. وفي كلّ الزيارات، تعهّدت دمشق مساعدة الجيش اللبنانيّ، كما تعهّدت ايران مساعدة هذا الجيش ـ حتى ولو كانت المساعدة مشروطة. وأخيرا وليس آخرا، كانت الادارة الاميركيّة الذاهبة قد خصّصت ما يُقارب الـ700 مليون دولار كمساعدات للجيش، صُرف منها حتى الآن حوالي 400 مليون دولار. ولا شك في أن زيارة بيترايوس للبنان تدلّ على استمرار التعهّد الاميركيّ تجاه لبنان حتى مع الادارة الجديدة، إذ لا يمكن بترايوس زيارة لبنان بدون علم الرئيس المُنتخب اوباما.

وتنطلق المساعدة الاميركيّة للجيش اللبنانيّ، من ضمن الاستراتيجيّة الاميركيّة الكبرى للمنطقة ككلّ، لذلك، لا يمكن الحصول على ما يرغب فيه لبنان، لذلك يجب اخذ ما يمكن ان يُعطى.

وتندرج في الاطار نفسه كلّ من المساعدتين السوريّة والايرانيّة. إذ لا يمكن ايران ان تسلّح الجيش ليحلّ مكان المقاومة، ولا يمكن سورية ان تسلّح الجيش كي يصبح اقوى من جيشها بشكل يفرض الامن على كلّ الاراضي اللبنانيّة. إذاً هناك حدٌّ معيّن لدرجة التسليح، نوعا وكمّا. وستعني اي مساعدة للجيش دخول الدولة المساعِدة ضمن عمليّة اتّخاذ القرار في الجيش، كما في كلّ تفاصيل تركيبته من حيث التدريب، التجهيز، والصيانة..

ولكن لماذا التهافت على لبنان؟

المؤكد هنا أن موقع لبنان الجيوبوليتيكيّ يعطيه صفة الدولة العازلة. وهو الدولة التي تساعد من يُسيطر عليها على قدرة التأثير في المحيط الإقليميّ. فلبنان يحوي كلّ عناصر الصراع في المنطقة كما في العالم.

كما أن عمليّة توقيع الاتفاق الأمني العراقي ـ الأميركي، تعني ان العراق قد وُضع على طريق الحلّ. وهذا يعني الانسحاب الاميركي منه في العام 2011. ولهذا السبب قد تأتي كل المساعدات العسكريّة للبنان من العراق، بدل شحنها إلى أميركا لان الكلفة أكبر بكثير.

بعد العراق بدأ التزاحم الدوليّ الاقليميّ للسيطرة على الساحة اللبنانيّة. وإلا، فماذا يُفسّر السرعة السوريّة القصوى في عمليّة التطبيع مع لبنان؟ وماذا يُفسّر الانتشار السوريّ العسكريّ على الحدود اللبنانيّة؟ كما التحوّل السوري المفاجئ والفريد من نوعه، في التعاون الأمنيّ الاستخباراتيّ مع لبنان حول تنظيم «فتح الاسلام»؟

في الختام هناك عمليّة تنافس خطيرة على لبنان، لكن الأمل يبقى في أن لا يؤدّي هذا التنافس إلى تمزيق لبنان إلى غير رجعة.

* عميد متقاعد في الجيش اللبناني وباحث أكاديمي