أخلاق يوك

TT

اعترف بأنني لست اشجع النساء ولا اعلاهن صوتا في المطالبة بحق. ولكني اكثرهن استنكارا للعجرفة والتعالي الذي يتلبس بعض المشاهير والمسؤولين كما لو انهم اصحاب امتياز يضعهم فوق رؤوس البشر. في مجال العمل التقيت بعديد من الرؤساء والمسؤولين والمفكرين والفنانين وادركت ان المنصب لا يرفع انسانا وانما الانسان هو الذي يرفع المنصب ويشرفه، واقتنعت بأن الشهرة ليست امتيازا بل مسؤولية لأن صاحبها يضرب للاخرين مثالا يحتذون به.

منذ اكثر من عشر سنوات شغلت منصبا قياديا في احدى المطبوعات. وشاءت الظروف ان التقي بفاروق حسني وزير الثقافة المصري وطلبت منه لقاء صحافيا. وحدد هو الموعد ومكان اللقاء. في الموعد توجهت انا والمصور الى المكان المحدد في الزمن المتفق عليه. وهناك كانت بانتظاري مفاجأة وهي ان الوزير لم يكن موجودا. استأت كثيرا وغضبت وشعرت بالاهانة. وبدون تردد حررت للوزير رسالة قصيرة مضمونها انني حضرت في الموعد ولم اجده ولم اجد ما يثبت انه يأسف لعدم وجوده.

في اليوم التالي كانت هناك مفاجأة اخرى تسعى نحوي بخطى ثابتة. فقد ادهشني ان الوزير حضر الى دار الصحافة العربية بلا موعد وبلا هدف سوى زيارة مكتبي للاعتذار.

لن اصف الافكار التي تدافعت الي ذهني ولكن احترامي للوزير تضاعف لاسباب لا تتعلق بمنصبه.

تذكرت تلك الواقعة قبل ايام وانا جالسة في استديو تصوير تلفزيوني استعدادا لتسجيل برنامج يستقطب اربع اعلاميات تقطع كل منهن رحلة سفر بالطائرة قوامها ساعات تاركة عملها وبيتها واولادها لكي توفي التزامها بعمل متفق عليه. وقد لا يدرك المشاهد ان العمل التلفزيوني وراء الكاميرا اشق بكثير من الجلوس أمامها تحت أضواء تعمي البصر لادارة حوار. الاستعداد لتسجيل برنامج يستغرق اسابيع من الاعداد والنقاش والتخطيط الدؤوب. وفي ساعة الصفر يجب ان يسير العمل بدقة لا تحتمل مزاجية ولا دلال ولا لعب عيال.

منذ ايام كنا نستعد لمحاورة نجم مسرحي كويتي. كنا ناقشنا محاور اللقاء وقرأنا الابحاث التي تعب المعد في جمعها لكي نتعرف علي الضيف قبل تشريفه ونلم بانجازاته من خلال الادوار التي قام بها. استعد الفريق بكامله ونوقش سير العمل ثم فوجئنا برئيس الانتاج يأتينا ممتقع اللون زائغ النظرات لأن المندوب المكلف استقبال النجم انتظر في المطار ولم يجد للفنان اثرا. وتلت تلك المفاجأة اتصالات هاتفية محمومة بالفنان فاذا به لم يبرح داره في الكويت ولم يكلف نفسه عناء الاعتذار عن الحضور ولم يفكر بحجم الفوضي التي تنجم عن هذا الفعل ولا حجم الاساءة لفريق العمل ولا حجم التكلفة للمحطة اذا اضطررنا لالغاء تسجيل الحلقة مهدرين عمل يوم لنا ولعشرات المنتسبين.

لم يعتذر عن عدم الحضور ولم يفكر بأن اعتذاره هو اقل القليل من الالتزام الادبي الاخلاقي ان لم يكن الالتزام بالحضور في مواعيد العمل من خصاله.

فاجأني سلوكه ربما لأن علاقات العمل والصداقة التي تربطني بالكويت لا تنسجم مع رعونة كتلك. فكم ابهرني تواضع الوزيرة معصومة المبارك وشفافية نبيل شعيل وثقافة سعاد العبد الله وطيبة مئات يكرموننا بالتواصل والمودة.

وفي الختام أبلغ مع يقال هنا هو كلمات الشاعر: انما الامم الاخلاق ما بقيت فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا.