الحجاب (الأعور)

TT

إذا أردت أن تضحك بألم، وتتعجب باستغراب، فما عليك إلاّ أن تشاهد وتستمع لبعض الفتاوى في بعض القنوات التلفزيونية.

وبحكم أنني إنسان (لا شغل ولا مشغلة) عندي، غير سلخ جلود بعض الناس، لهذا أقبع بين الحين والآخر أمام الشاشة لأعاقب نفسي على (ساديتها) المفرطة.

وضحكت من أعماق قلبي المعطوب عندما شاهدت أحدهم يهاجم الشخصية الكرتونية (ميكي ماوس)، ويدعو إلى محوه من الوجود، وكيف أن ذلك الفأر (القذر) ـ على حدّ تعبيره ـ قد أصبح رمزاً تآمرياً أوجده أعداء الدين للسيطرة على عقول أطفالنا، وجعلهم يحبون ويهيمون غراماً بالفئران التي لا تجلب غير الأمراض ومن أولها مرض الطاعون.

طبعاً هذا كلام كبير (يسطح)، خصوصاً إذا سمعه رجل مثلي ممن يحترمون ويدينون بالفضل الكبير لملايين (فئران المختبرات) العلمية التي يجري الأطباء التجارب عليها يومياً وعلى مدار الساعة، إذ بواسطة تلك الاختبارات استطاع الإنسان أن يتقي وينتصر على كثير من الأمراض بما فيها مرض الطاعون الذي لا يدري ذلك الشيخ أنه أصبح مرضاً منقرضاً ليس له وجود في عالم اليوم.

وأيضاً وسّعوا صدوركم معي قليلاً لتستمعوا لفتوى أخرى من (شيخ) آخر، حيث إنه يهاجم (الحجاب) الذي يغطي كامل جسد المرأة ووجهها ولا يظهر منها غير (العينين) ـ أو ما يسمى (بالبرقع)، حيث أن العينين ـ مثلما أكد ـ هي بيت الداء ومكمن الخطر، فهي سهم من سهام إبليس والعياذ بالله، وإذا كان ولا بد للمرأة من استعمالهما ـ أي (العينين) ـ، فعليها أن تضع ما يشبه (المنخل) عليهما، أو على الأقل أن تكتفي بعين واحدة، وهو ما يطلق عليه الحجاب (الأعور) ـ أي والله العظيم إنه قال ذلك وأطلق عليه مسمى (الحجاب الأعور).. وعندما وصل إلى هذا الحد من الكلام أخذت أقهقه وأضرب كفاً بكف متذكراً صاحب السمعة السيئة (موشي ديان) الذي استطاع أن ينتصر على ثلاثة جيوش عربية في ستة أيام (بعين واحدة).. وهو الذي لا يتمتع لا بطول فارع، ولا بصوت جهوري، ولا (بكاريزما) ساحرة.

أما ألطف فتوى سمعتها من (أحد المشايخ)، فهي عندما أجاب على سائل يسأله إذا كان يحق للمرأة أن ترقص لزوجها إذا طلب منها ذلك.

فأجابه الشيخ بعد أن تنحنح وطفح وجهه بالبِشر وقال: لا بأس بأن ترقص المرأة أمام زوجها في غرفة مغلقة عليهما، لكن الحذر ثم الحذر أن يصاحب ذلك الرقص أي موسيقى، أو (تصفيق).. عندها لم أملك إلاّ أن أغلق التلفزيون دون أن أسمع بقية الكلام، وأغمضت عيني وألقيت رأسي للخلف، وذهبت في (سرحان وخيال) متصوراً تلك المرأة التي تتمايل (بصمت) مطبق أمام زوجها، ولا أدري أي نوع من الرقصات هي تؤديها.

ولكي لا أتحمل إثماً جديداً فوق آثامي العديدة، كبحت جماح خيالي ونهضت لأغسل وجهي بالماء والصابون.

[email protected]