إيران: العسكر يستولون على سلطات آيات الله في الحكم

TT

الأزمة الإيرانية قائمة وسوف تتفاعل في المستقبل المنظور لكنها لم تتحول بعد إلى الأزمة التي ستنتهي بانتصار طرف على طرف آخر. وإذا كانت المعارضة هي الطرف الرابح بنظر المراقبين، فذلك عائد إلى أن أحد الأسباب التي أدت إلى هذه المواجهة بين شريحة كبيرة من الشعب الإيراني وبين النظام، هو فشل تطبيق الأسلمة على المجتمع الإيراني. فخلال ثلاثين سنة، ورغم الموارد الكثيرة والضخمة التي كانت بحوزة الحكم الإيراني ورغم سيطرته الكاملة على المؤسسات الثقافية والإعلام، تبين أن 70% من الشعب الإيراني ضجر من هذه الثورة، وان أغلبية المثقفين في إيران وبالذات النساء، تنتقد النظام بقوة إلى درجة الإعلان عن رفضه.

يقول لي البروفسور منصور فرهنغ، وكان أول سفير للثورة الإسلامية في الأمم المتحدة، لكنه انشق بعد بدء الحرب العراقية - الإيرانية، وهو الآن يدرّس في إحدى الجامعات الأميركية: «إن فشل تطبيق الأسلمة على المجتمع الإيراني ليس بالأمر الذي يستطيع النظام إخفاءه أو إصلاحه، إن إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي قامت فيها ثورة إسلامية لكنها فشلت في إقامة (المدينة الفاضلة)، كما ادعى القائمون على النظام». ويضيف: «هناك احتمال كبير بأن تكون إيران رائدة في نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، لأن الآيديولوجية التعسفية التي مارسها النظام الإسلامي حركت الشعب الإيراني، إن الأغلبية الإيرانية متدينة، لكن الجمهورية الإسلامية كآيديولوجيا لم تنتج شيئا سوى الفساد والمآسي».

هناك أسباب كثيرة أخرى دفعت إلى الانفجار الشعبي بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، إذ إن النظام كان قد وعد بتوزيع الثروة لا سيما وأن شعبيته تأتي من المناطق الفقيرة، لكن حسب استفتاءات رسمية، فإن معدل الدخل السنوي للفرد الإيراني اليوم أسوأ مما كان عليه قبل 30 سنة. ويقول البروفسور فرهنغ إنه خلال تلك السنوات دخل الخزينة الإيرانية أكثر من 700 مليار دولار كعائدات نفطية.

أيضا، قبل الثورة الإسلامية كانت هناك مشكلة مخدرات، وكانت المعارضة آنذاك (من يسار ويمين ورجال دين) تتهم نظام الشاه بالفساد كونه عجز عن حلها. اليوم وحسب الاستفتاءات الرسمية، فإن هناك أكثر من 2.2 مليون مدمن إيراني ونصف المدمنين هم دون التاسعة والعشرين من العمر.

كذلك وبسبب المواجهة المستمرة مع الغرب، فإن رؤوس الأموال الإيرانية غير مطمئنة للوضع الداخلي، وبالتالي غير مستعدة للاستثمار في إيران في مشاريع تدر الأرباح لاحقا، إنما توفر الوظائف. لذلك، فإنها هُرّبت إلى الخليج العربي وتركيا وأوروبا. وبسبب المقاطعة المفروضة على إيران فإن الشركات العالمية لا تستثمر في إيران، ولأن النظام يرفض الاعتراف أو مواجهة هذا الواقع اعتمد القمع في مواجهته للمتظاهرين.

البروفسور فرهنغ يعتقد أن النظام لا يزال يملك القواعد الاجتماعية التي تحميه، فهو وظّف أكثر من مليوني شخص في الأجهزة العسكرية والأمنية القمعية، وبالتالي فإن هذه القواعد التي تدافع عن النظام تدافع أيضا عن مكتسباتها. فالحرس الثوري والباسيج وما يتفرع عن هذه الأجهزة، يتحكمون في نصف اقتصاد إيران، ويعملون في حقلي التصدير والاستيراد، ويوقعون العقود مع الدول، ويشترون المصانع، والحرس الثوري الإيراني يسير على خطى المؤسسة العسكرية/الأمنية الباكستانية.

ويرى فرهنغ أن مركز السلطة خلال السنوات العشر الماضية تحول تدريجيا من أيدي رجال الدين إلى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وتمت عسكرة السياسة في إيران وصار أمرا عاديا أن تشن صحف النظام حملات على بعض آيات الله المتخوفين من عسكرة السياسة الإيرانية، لأنهم بذلك بدأوا يفقدون هيبتهم.

الذي أدى إلى سقوط نظام الشاه، هو أن كبار القادة في الجيش والشرطة رفضوا تنفيذ الأوامر، وأطاعوا توصيات آية الله الخميني. وإذا بدأ هذا يحدث في إيران اليوم، فسيبرز وضع مختلف، لكن لا إشارات تدل على ذلك حتى الآن.

يقول البروفسور فرهنغ إن سلطات الأئمة تهاوت بشكل ملحوظ، «وعندما تنتهي ولاية علي خامنئي، أعتقد أننا لن نرى مرشدا أعلى جديدا»، ويتوقع أن تبرز تدريجيا شخصية عسكرية تفرض نفوذها، بعد رحيل خامنئي مباشرة، «ستسمح بمرشد أعلى، لكن سيلعب الدور الذي كان يلعبه خطيب الجمعة في ظل الشاه، أي مجرد ديكور».

إذن، هناك توقع ببروز نظام عسكري يهمش الأئمة، وستتحول المواجهة بين النظام العسكري والحركة الديمقراطية في إيران التي ستتواصل. يقول فرهنغ: «إن الشعب الإيراني بحركته الحيوية الآن يثبت أن الثمرة الديمقراطية في الشرق الأوسط صارت ناضجة».

لكن ما دور الرئيس محمود أحمدي نجاد وآية الله خامنئي؟ يقول فرهنغ: «لم يحدث أن عاشت إيران مثل هذه التجربة، أحمدي نجاد هو «الصورة/الوجه». في ظل فترة رئاسته الأولى دخل إيران 296 مليار دولار من عائدات النفط، وضعها كلها في خدمة الحرس الثوري ومشاريعه، والأجهزة الأمنية». ويواصل فرهنغ: «أما خامنئي فإنه يعرف أن السلطة الحقيقية ليست نابعة من عمامته، وأن الحرس الثوري حدد سياسة إيران، وكل ما يفعله خامنئي أانه يتعمد ألا يقول شيئا يتعارض مع توجهات وأولويات الحرس». ويستنتج أن إيران مسألة معقدة لا يمكن التكهن بوجهتها، و«ما نعرفه بكل تأكيد أن عملية تطبيق الأسلمة المفروضة فشلت فشلا ذريعا وخيبت آمال الأغلبية».

مع هذه التطورات بدأت إيران تستعد لمناورات عسكرية دفاعية ستجريها الشهر المقبل، فالحرس الثوري في حاجة إلى مثل هذه البروباغندا، لأن النظام الإيراني يحتاج دائما إلى عدو، لكنّ هناك قلقا حقيقيا من حرب محتملة، لأن إيران لن تظهر أي نوع من المرونة بالنسبة إلى برنامجها النووي أو تخصيب اليورانيوم، ويعرف النظام الإيراني أانه بامتلاكه السلاح النووي سيمثل خطرا حقيقيا لمصالح الآخرين، ويستبعد فرهنغ أن يصل المجتمع الدولي إلى تسوية أو مصالحة مع إيران، ويتوقع مضاعفة العقوبات، وهذا «لن يفلح لأن إيران سوق كبير وأشك أن تدفع العقوبات النظام إلى تغيير تصرفاته إلا إذا تهاوى سعر النفط، وفي حال حدوث ذلك فإن النظام يتأثر كثيرا فهو يحتاج إلى عائدات النفط الضخمة لتمويل أجهزته وإيراداته. إنه يستورد من الهند والصين وكوريا حتى الغذاء». ويروي البروفسور فرهنغ أن النظام بعد الانتخابات مباشرة لاحظ أنه لا يملك الآليات الكافية والمطلوبة لمواجهة المتظاهرين، فطلب شراء شاحنات خاصة تصنّعها الصين وتُستعمل لرش المياه الساخنة والباردة والكيماويات، فقالت الصين إنها لا تستطيع إتمام الصفقة إلا بعد سنتين، لكن بسبب الإلحاح الإيراني وافقت على بيع الشاحنات التي تستعملها السلطات الصينية في قمع المظاهرات الداخلية، «من هنا كان تنديد المتظاهرين وقولهم: الموت للصين».

أسأله: ألا يمكن للعقوبات الجديدة أن تجعل حياة الناس جحيما، الأمر الذي يدفعهم لمواصلة المظاهرات حتى تغيير النظام؟ يجيب: «هذا ممكن، لكن لا نعرف طبيعة الأساليب التي سيلجأ إليها النظام المستعد أن يقتل من أجل بقائه (...) إنه لا يستطيع اعتقال الملايين لكن حتى الآن، لم نصل إلى تلك النقطة وهذا يحتاج وقتا».

يستبعد فرهنغ أن يكون النظام الإيراني قادرا على اتخاذ خطوات استباقية للعقوبات كأن يستفز إسرائيل. صحيح أن حزب الله وحماس يتلقيان المساعدة القصوى من النظام الإيراني، لكن بعد تجربتيهما مع إسرائيل صارا يعرفان أنهما هما من يتحمل الثمن المرتفع بالضحايا والخسائر. «ولا أعتقد أنهما يجرؤان، رغم خطابيهما، على مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية الضخمة».

في النهاية، يتوقع أن يكون عام 2010 عام التوتر في إيران، «إنما ليس عام الحسم»، الاستياء سيتفاعل والمظاهرات ستستمر والنظام الذي فقد شرعيته سيزداد شراسة.

هل سيلجأ إلى إعدام موسوي وكروبي؟ يقول فرهنغ، هناك انقسام في القيادة، لكن الميل هو إلى إسكاتهما وإبقائهما في الإقامة الجبرية، ويضيف: «إن الحركة التحررية في إيران أكبر من موسوي ومن كروبي والصراع القائم أعمق من مصير أي شخص»!