انبعاثات حقيقية لـ«القاعدة» الوهمية..

TT

وَهَنَ تنظيم القاعدة. لم يعد أكثر من قيادة مطاردة وشبكة مشتتة وفكر يصارع للبقاء على الفضاء الإلكتروني..

هذا ما دأبنا على قوله في السنوات القليلة الماضية، لكن أحداثا وقعت في الأسبوعين الأخيرين أظهرت أن تنظيم القاعدة فاجأ العالم بانبعاث مقلق وفي أكثر من مكان في العالم. من اليمن إلى العراق وباكستان وصولا إلى الولايات المتحدة. ولعل أكثر ما في وقع في تلك الأماكن عبثية هو العملية الانتحارية التي ضربت ملعبا لصبية في باكستان.

فمن أيقظ تنظيم القاعدة وعلى هذا النحو؟

وهل كان التنظيم في حال سبات أصلا!

إنها أسئلة مقلقة يسهب في تحليلها متخصصون وسياسيون وإعلاميون. ما يعنينا في هذه الزاوية هو عودة الحديث عن الإنترنت بصفتها وسيلة باعثة ومحفزة للإرهاب خصوصا مع تكشُّفِ أكثر من علاقة بين النيجيري عمر فاروق عبد المطلب الذي كان سيفجر طائرة أميركية وبين أنور العولقي، الشيخ اليمني الأميركي المتهم بعلاقة ما مع ثلاثة من منفذي هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وأيضا مع نضال حسن الذي قتل 13 شخصا في قاعدة أميركية قبل أسابيع.

ففي مرحلة خفوت نشاط «القاعدة» ميدانيا في السنوات الماضية لأسباب لوجيستية ومالية وعملانية، بقي الفضاء الافتراضي ساحة تواصل حيوية ووحيدة، بل إن كثيرا مما غاب أو غُيّب عن الإعلام التقليدي وجد مساحات واسعة له عبر الإنترنت وزاد مخزون هذا التنظيم إلكترونيا.

هناك كتب ويوميات وأشعار ووقائع موصوفة وصور فيديو لعمليات ومنفذي عمليات..

في المواقع الجهادية أدبيات كاملة للسنوات الماضية وللعمليات التي ارتبطت بالتنظيم سواء في العراق أو أفغانستان أو فلسطين أو لبنان واليمن وأماكن أخرى باتت مادة أرشيفية كبرى وهائلة يجري تداولها وتظهيرها على نحو يستفيد من التقنيات التفاعلية بشكل كبير ما يجعلها مادة جاذبة وعابرة للحدود فيتم تقديمها بصفتها بطولات هي أقرب إلى الأساطير نفذها مؤمنون ملتزمون نرى صورا من عملياتهم تُروى على نحو جاذب لشرائح يمسّها هذا النوع من الحكايات..

صحيح أن أحد وجوه «القاعدة» هو تحولها إلى جزء من انقسامات وحسابات محلية في اليمن أو العراق، لكن هذا القول وحده لا يُعفي من مسؤولية التعمق بذلك العالم الافتراضي الممتد لهذا التنظيم من أقصى إندونيسيا إلى الولايات المتحدة الأميركية.

ثمة من يقول إنه لولا الإنترنت لما كان لـ«القاعدة» وجود.. هذا القول - وإن كان يحتاج إلى بعض تدقيق - صحيح في أحد الوجوه. فالشبكة الإلكترونية مكّنت «القاعدة» من البقاء على رغم تداعي التنظيم وتصدعه، إذ بينما كان أسامة بن لادن وأيمن الظواهري مختبئَين ولا حيلة لهما على تحريك شيء كانت منتديات «القاعدة» ناشطة تزوّد الهائمين على وجوههم بما تعجز قيادة التنظيم عن تزويدهم به سواء لجهة الأفكار أم لجهة أساليب العمل والنشاط ووصولا إلى التدريب على صناعة المتفجرات..

اليوم، عاد تنظيم القاعدة وسمحت له الإنترنت بتسربات وانبعاثات جديدة لا شك. لا يكفي البحث بدور الفضاء الافتراضي لفهم كيف يتسرب هذا التنظيم.. لا غنى عن فهم انقساماتنا وتصدعاتنا الداخلية والمحلية التي تستمر في التفاقم وتغذية «القاعدة»..

diana@ asharqalawsat.com