عدنا.. والعود مؤسف

TT

أين أصبح تفاؤل العالمين العربي والإسلامي - وربما العالم أجمع - بوصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض وبدء عهد من الانفراج الدولي؟

شتان بين تفاؤل الأمس وواقع اليوم.

قبل سنة واحدة كنا ننتظر الترجمة الميدانية لوعد أوباما الانتخابي بسحب القوات الأميركية من أفغانستان... فصرنا اليوم نتابع ازدياد تورط أميركا العسكري فيها وفي باكستان.

وقبل سنة كنا نتطلع إلى إغلاق معسكر غوانتانامو على اعتباره بداية تحول واقعي في تعامل الإدارة الأميركية مع «الإرهاب الإسلامي» من منطلق محض أمني إلى آخر «انفتاحي» بشر به الرئيس أوباما شخصيا في خطاب القاهرة الشهير... فعدنا نسمع اليوم عن توسيع نطاق المواجهة الأمنية الأميركية مع الإرهاب لتشمل فتح جبهة جديدة على الإرهاب في اليمن.

محاولة تفجير طائرة الركاب الأميركية في ديترويت أعادت الحالة النفسية للإدارة الديمقراطية في واشنطن إلى ما يشبه حالة الإدارة الجمهورية بعد هجومي 11 سبتمبر (أيلول) 2001: كلاهما ارتد إلى أولوية داخلية عنوانها «سلامة الشعب الأميركي» وأخرى خارجية عنوانها مواجهة الإرهاب عسكريا.

والمؤسف أن الضحية المباشرة لهذا الارتداد هي القضية الفلسطينية التي كان الرئيس أوباما قد وضع تسويتها في مقدمة أولويات عهده وعيّن لها مبعوثا رئاسيا خاصا فأصبحت اليوم في مرتبة أدنى من الاهتمام الأميركي الرسمي.

لا جدال في أن أي رئيس أميركي - وليس فقط أوباما - مسؤول عن «سلامة» شعبه.

ولأن سلامة الشعب الأميركي واجب رئاسي ومسؤولية قومية، أصبح «تصدير الإرهاب» إلى الولايات المتحدة تجارة عالمثالثية مضمونة النتائج بحكم كونها أجدى الطرق لتوريط الولايات المتحدة في حروب خارجية مبرراتها الداخلية لا تزال قائمة منذ 11/9 / 2001.

ربما كان هذا الهدف بالذات وراء مخطط تفجير الطائرة الأميركية داخل الأراضي الأميركية (مطار ديترويت)، لا خارجها، وفي يوم مجيد في نظر معظم الأميركيين (عيد الميلاد). وعليه، لم يكن العالم بحاجة إلى الاستماع إلى شرح الرئيس أوباما لدوافع عودته عسكريا إلى ساحة حرب الإرهاب - سواء في أفغانستان أو في اليمن أو في باكستان - ليدرك أن رئيس الولايات المتحدة هو، في نهاية المطاف، أسير مصالح الدولة الأعظم في العالم ورهين سلامة شعبها، كائنا ما كان انتماؤه الحزبي أو حتى برنامجه الانتخابي... فلا غرابة من ارتداد إدارة أوباما «الليبرالية» إلى ذهنية إدارة بوش «المحافظة» في تعاملها مع الإرهاب.

ولكن السؤال المقلق يبقى: هل استعاد مخططو العمليات الإرهابية، بعد حادثة طائرة ديترويت، زمام المبادرة في توريط الولايات المتحدة في حروب استنزاف لا نهاية «عسكرية» لها؟

لم يعد خافيا أنه بقدر ما يدفع الإرهابيون الولايات المتحدة إلى التركيز على المقاربة العسكرية لقضاياهم، يعرقلون حلها الدبلوماسي ويحققون تطلعهم الآيديولوجي لزجّها في خانة «صراع الحضارات» بين الغرب والشرق - مع كل ما يفرزه هذا التصنيف من فرص استغلال «غير حضاري» للنزاعات الدولية.

من هنا أهمية عودة واشنطن إلى المقاربة الدبلوماسية للنزاع «الملهِم» لما يسميه الإعلام الغربي «إرهابا إسلاميا» في الشرق الأوسط، أي النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، خصوصا أن الخطوط الكبرى للتسوية السلمية أصبحت واضحة، غربيا وعربيا وحتى إسرائيليا.

والمفارقة الواجب ذكرها على هذا الصعيد أن إصرار بنيامين نتنياهو على رفض نصيحة أوباما بوقف الاستيطان اليهودي غير الشرعي في الضفة والقدس الشرقية لا يخدم تهرب حكومة الليكود من التسوية السلمية بقدر ما يهدد بإدراج القضية الفلسطينية بأكملها في خانة «صراع الحضارات»... ما يوحي بالتقاء آيديولوجي غير مستبعد بين ظاهرتي التطرف الإسلامي - «القاعدة» - واليهودي - «الليكود».