كنوز بلون الدم

TT

لم يتوقف حلم العثور على الكنوز أسفل المنازل في طول مصر وعرضها لحظة زمان واحدة.. كل إنسان في أي قرية أو أي مدينة يتصور أن تحت بيته كنزا من كنوز الفراعين القدماء.. وتقتل الناس.. ويقتل الأخ أخاه.. وفى النهاية يموتان معا تحت الأنقاض.. ويبقى الكنز الوهمي كما هو!

وأصبحت أخبار قصص الكنوز التي تحرسها الجان نسمعها بين الحين والآخر، وأصبح لكلمة مومياء مفعول السحر عند الناس، وترتبط بوجود مادة الزئبق الأحمر القادرة على تسخير الجان كما يذكرون.. واتخذ النصابون وإخوانهم من المحتالين أو ما نسميهم بالعامية (الفهلوية) من موضوع الكنوز الأثرية المخبأة مجالا للنصب والاحتيال على الناس.. وأصبح زاد كل يوم خبرا أو رسالة تقول: لقد عثرنا على كنز أسفل منزل من المنازل، وعندما نرسل من الأثريين من يعاين المكان ينتهي الأمر إلى كون الخبر مجرد خرافة ووهم وخيال.. حتى أن الأمر تصاعد في إحدى المرات إلى أن تشاجر أخ مع أخيه وكاد يقتله صراعا على كنز وهمي تخيلا وجوده أسفل منزل أبيهما الذي تركه لهما.

وقد حدث بقرية نزلة السمان، الواقعة أسفل هضبة أهرامات الجيزة إلى ناحية الشرق، أن قام مجموعة من الأشخاص بالحفر داخل بهو منزل أحدهم وأمامهم هرم الملك «خوفو» وظلوا يحفرون بكل دأب وهمة - ليتنا كنا نعمل بمثل هذه الهمة إذن لأصبحنا في طليعة الأمم - ونزلوا إلى عمق عشرين مترا، وكادوا يختنقون من شدة الحرارة فتطوع أحدهم بالخروج من الحفرة لإحضار مروحة كهربائية علها تلطف من درجة الحرارة، وفى طريق خروجه من البئر إذا بقدمه تصطدم بأحد ألواح الخشب التي كانوا يستخدمونها لحجز الرمال، وما هي إلا لحظات وكان جميع من في الحفرة أمواتا أسفل الرمال.. وباءت كل محاولات إنقاذهم بالفشل، ومات ستة مغامرين قبل العثور على كنزهم المزعوم..

وقد عملت بالحفائر في هذا المكان وهذه المنطقة بالذات عام 1977، وعثرت على مقبرة على عمق عشرين مترا من الأرض وداخلها بقايا مومياوات وتوابيت في حالة سيئة جدا، ولم أعثر على كنوز من ذهب أو فضة أو حتى حديد؛ لأن هذه المقابر كلها نهبت على مر العصور القديمة!

لقد تم الكشف عن آلاف المقابر بمنطقة الهرم ولم يعثر على مقبرة واحدة سليمة، بل إنها نهبت كلها خلال العصور القديمة.. وكان الكشف الوحيد الذي عثر عليه هو الكشف عن مقبرة الملكة «حتب حرس» أم الملك «خوفو» صاحب هرم الجيزة الأكبر. وقد عثر على محتويات مقبرتها مدفونة داخل بئر بسيطة. وما زالت لدينا قصص خيالية كثيرة سمعنا عنها في محافظات دلتا مصر سواء المنوفية أو الشرقية. وأخيرا في هذا الأسبوع جاءنا خبر من محافظة دمياط، حيث قام «الفهلوية» بإرسال رسائل إلى العديد من المسؤولين، من شاكلة رسائل: «من محمدين إلى محمد يرجوه أن يحضر إلى والدته فورا؛ لأن هناك كنزا أثريا فرعونيا عثر عليه في البلد»، وطلب منا بعض المسؤولين أن نقوم بالتحقيق في هذه الرسائل، وذهبنا إلى الأماكن المذكورة في الرسائل وبالطبع لم نعثر على أي شيء..

والحقيقة أنني منذ أن صرت مسؤولا عن الآثار تقابلت مع العديد من الصحافيين والأصدقاء الذين جاءوا بصحبة أشخاص من الصعيد والدلتا يؤكدون وجود مقابر ورسومات فرعونية وكتابات هيروغليفية.. وفي إحدى المرات أقسم أحدهم أنه عثر على الزئبق الأحمر داخل مقبرة.. ولم نجد واقعة واحدة منها صحيحة، بل كان ما يصل إلينا عبارة عن أوهام وتخاريف وقصص يتناولها العديد من الناس.. والجهل والطمع كانا دائما الدافع لهذه المطامع، ولا يزال هوس البحث عن الآثار والكنوز المخبأة مستمرا.. وربما لن يتوقف أبدا..