التحويل!

TT

تتجه أنظار العالم العربي وبتركيز شديد على المخاوف من ضربة إسرائيلية محتملة بحق لبنان أو سورية أو حتى إيران، ولكن الخوف الأكبر يكمن في الخطة السرية التي يتم تداولها همسا بحق الضفة الغربية؛ فإسرائيل لا تزال ترى أن أكبر عائق أمام طموحها التوسعي والاستيطاني هو «الكم» البشري الفلسطيني الموجود بأراضي الضفة الغربية. فهذا الوجود الفلسطيني المركز والكبير هو «الحقيقة» التي تواجه الطموح الاستيطاني الإسرائيلي وتبطئه، واليوم هناك حديث إسرائيلي عن حرب كبرى، الغاية الأساسية منها هي تهجير مركّز بحق سكان الضفة الغربية باتجاه الأردن تحديدا، ويطلق على هذه الخطة التحويل أو الـ«TRANSFER»، والغاية الرئيسية منها هي ضرب مشروع الوطن الفلسطيني بشكله المقترح وإبدال الواقع الديموغرافي وتحويل المشكلة إلى مأساة «خارج الحدود الإسرائيلية»، ويتبني هذا الاقتراح كل قيادات الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولكن يبقى الخلاف على آلية التنفيذ، وهي تجري يوميا «بروفات» مصغرة منه وفي مناطق مختلفة من الأراضي الفلسطينية، فتهدم المباني وتزيل الأراضي وتشرد السكان وتمنعهم من الدخول إلى منازلهم، وهذا هو النموذج الذي سيتم اتباعه لاحقا، ولكن بصورة أكبر وبخطة أوسع.

إسرائيل تشغل العالم والعرب بصواريخ «سكود» السورية وتهديد إيران وخطورة حزب الله، بينما هي تواصل وبتركيز شديد على زيادة رقعتها الاستيطانية ورفع درجة الفوبيا من الجهات الأخرى المحيطة بها لاستجداء الرأي العام العالمي ضدها لاستمرار «بيع» فكرة أن إسرائيل دولة مغلوبة على أمرها، يهدد سلامتها جيرانها الذين لا يتمنون الخير، وهو تصوير أشبه بـ«حكاوي» وقصص قبل النوم التي تروى للأطفال.

السلام في الشرق الأوسط مدخله ومفتاحه ردع إسرائيل ووقف برنامجها الاستيطاني المسعور، الذي لا رادع له إلى الآن. لم ترَاعِ المواثيق ولا العهود ولا الأعراف، فلم ترحم الديار ولا المنازل ولا الكنائس ولا المساجد ولا المدارس، الكل مباح في سبيل رقعة أرض إضافية تزيد من رصيد الاستيطان المتاح. خطة التحويل أو «الترانسفير» كما تعرف في الأوساط الإسرائيلية، ستكون ضربة لأي حديث عن السلام، لأنها ستكون أكبر تغيير على أرض الواقع (وهو اللفظ الذي تستخدمه إسرائيل حينما تدافع عن الاستيطان، فهي تعتبره أمرا واقعا لا بد من التعامل معه بدلا من تغييره). وبخطة الترانسفير هذه ستعيد إسرائيل خلط أوراق اللعبة لتتحول المسألة إلى مشكلة إنسانية تتطلب العون والإغاثة، مثلها مثل باقي أشكال تلك المشكلة في المخيمات المصرية واللبنانية والعراقية والسورية والأردنية. تقدر الخطط الإسرائيلية أنها بإمكانها تهجير من مليونين إلى ثلاثة ملايين فلسطيني إلى الأراضي الأردنية في فترة أسبوعين كحد أقصى، وهي تستشهد بما أشيع عن تهجير الهند لمسلميها إلى باكستان أيام الانفصال بين الدولتين، وكذلك تهجير الفيتناميين بعضهم لبعض أو تهجير البورميين لمسلميها إلى بنغلاديش. والبعض من القادة الإسرائيليين يتجرأ بالاستشهاد بما حدث لليهود في معسكرات النازية الأوروبية والتهجير الذي تم بحقهم، وبالتالي إمكانية تكرار ذلك. كل ما يحدث من اعتداءات على الأراضي الفلسطينية وحيازتها بالقوة والاغتصاب هو مقدمة لما هو أخطر، وإسرائيل كعادتها لن تشبع إلا بمزيد من الأراضي لأن السلام مع الفلسطينيين غير وارد بالنسبة لها، وحتما حل الدولتين لا تأخذه إسرائيل على محمل الجد، فهي تتعامل معه على أنه ضغوط مؤقتة حتى «تحل» هي المسألة بنفسها، ولذلك هي تعد العدة لخطة التحويل.

[email protected]