خطط البنتاغون للأمن السيبراني عودة إلى الحرب

TT

بدأ البنتاغون، في تكتم شديد، وضع اللمسات الأخيرة على الاستراتيجية الجديدة التي تجعل من الفضاء السيبراني ميدانا حربيا محتملا، وتطبيق دفاعات فورية نشطة لهجمة يمكن أن تعطل، نظريا، مؤسسات النقل والتجارة في البلاد.

على الرغم من تعامل الاستراتيجية الجديدة مع واحدة من مشكلات القرن الحادي والعشرين تحديدا، فإن الاستراتيجية الجديدة أشبه ما تكون بالحرب الباردة، فحلفاء الولايات المتحدة المقربون سيتحدون في شبكة إنذار مبكر لأمن سيبراني جمعي، يتم من خلالها تجهيز القطاع الصناعي الخاص ليشكل دفاعا مدنيا ضد المهاجمين، ويمنح القادة العسكريين السلطة للرد بصورة أوتوماتيكية على الغزاة الإلكترونيين.

وبدلا من رد شامل ضد المهاجمين الذين قد لا تكون دول مصدرهم معلومة، تقترح الاستراتيجية فكرة بديلة هي الردع المبني على أساس جعل البنية التحتية الأميركية قوية وواسعة مما يجعلها قادرة على النجاة من أي هجوم. وستقوم وزارة الأمن الداخلي بالإشراف على تعزيز البنية التحتية هذه بمساعدة وكالة الأمن القومي. وشرح ويليام لين، مساعد وزير الدفاع، الاستراتيجية الجديدة، المعروفة باسم «الاستراتيجية السيبرانية 3.0» في البنتاغون خلال مقابلة تصدر داخل العدد الجديد من مجلة «شؤون خارجية». ومن المتوقع أن تنتهي السياسة الرسمية بحلول ديسمبر (كانون الأول)، في الوقت ذاته ستتولى القيادة السيبرانية في الكونغرس مسؤولية الدفاع النشط الذي يبدأ في الأول من أكتوبر (تشرين الأول).

مقترحات لين مثيرة للاستفزاز، لكن الاستراتيجية يمكن أن تكون مكلفة وربما مرهقة، وهي تتضمن تهديدات لم يفهمها العامة جيدا، فالكثير من الشركات يمكن أن تكون أهدافا محتملة. لذا فإن المطلب الأول يجب أن يكون المزيد من المعلومات العامة، فالجميع في حاجة إلى فهم مخاطر الهجوم وتكلفة وفوائد التعبئة ضده.

وعندما تحدثت مع لين اندهشت من حجم الهوة بين الصورة التي يرى بها خبراء الدفاع الفضاء السيبراني - كمصدر لاعتداءات معيقة - ووجهة نظر العامة بشأن إنترنت يشكل رفيقا حميما. وعلى الرغم من حديث لين عن الفضاء السيبراني كمجال يمكن أن يكون محميا مثل المجال الجوي، فإنه ربما يكون أقرب إلى الأكسجين الذي نتنفسه.

يقوم البنتاغون حاليا بحشد الحلفاء حول الأمن السيبراني، ويناقش لين أفكاره مع نظرائه في بريطانيا وكندا وأستراليا ويخطط للقاء دائرة موسعة من حلفاء الناتو الشهر المقبل. أحد هذه المواضيع سيكون مراقبة هجمات الإنترنت، الذي سيكون أشبه بشبكة رادارات ما عرف بـ«ديو لاين» إبان الحرب الباردة، أو أجهزة تنصت تراقب الغواصات السوفياتية.

تتكون خطة لين الدفاعية من ثلاثة أجزاء «جهاز استشعار، وحارس، وقناص». ما أثار انتباهي هو الكلمة الثالثة، وعندما سألته عما تعنيه كلمة قناص، أوضح أنه «إذا استشعرت قيادة الإنترنت وجود أي هجوم محتمل فسوف تعزل هذه الشفرة الغريبة عبر نقلها إلى مكان تكون فيه غير ضارة»، والتحدي كما يقول هو وقف الهجوم دون إحداث خسائر جمعية مثل تعطيل التجارة العالمية.

لم يتحدث لين عن الأسلحة الهجومية الأميركية في الفضاء السيبراني عدا أنه قال: «طورنا نطاقا واسعا من القدرات الدفاعية». ربما تكون الولايات المتحدة أكثر الدول عرضة لهذا النوع من الهجمات من الدول الأخرى، لأن اقتصادنا أوسع نطاقا، لكن لين رفض فكرة حظر الأسلحة السيبرانية عبر نسخة جديدة من معاهدة الحد من الأسلحة، لأنه سيكون من السهل على الآخرين قبولها. عبارة «مجمع عسكري صناعي» في التخطيط السيبراني لها وقع خاص، فمنذ أواخر عام 2007 كان البنتاغون يعلم المتعاقدين الدفاعيين بشأن الاختراقات العدائية لشبكاتهم، وقد أدى ذلك إلى إنشاء «إطار عمل أمني ملح» وهي شراكة بين المديرين التنفيذيين للكثير من شركات التكنولوجيا الدفاعية الكبرى. ويقول لين إن البنتاغون يعمل مع المتعاقدين على حماية أنظمتهم من الهجمات السيبرانية.

الملمح المثير للجدل في الاستراتيجية السيبرانية، هو أنها تحمل العولمة داخلها، فصانع الحاسبات المحمولة الأميركي الذي يتباهى بأن مكوناتها يتم تجميعها في 50 دولة، يجب أن يقلق بشأن 50 نقطة، حيث يمكن لأي دخيل أن يضيف أي شفرة مؤذية. وتطلق وزارة الدفاع على هذه المشكلة «إمكانية التعرض للخطر عبر سلسلة الإمداد». وقال لين إنه يأمل في أن تقوم الشركات بمراقبة منشآتها ومورديها لخفض المخاطر من أن تكون المنتجات التي ترسل إلى الولايات المتحدة ملوثة، لكنه استطرد بالقول: «إننا لا يمكننا صنع كل شيء داخل حصن». وفي النقاش حول الاستراتيجية السيبرانية، آمل أن يدرك المسؤولون مخاطر عسكرة مجالات التجارة والاتصالات. نحن نرغب بطبيعة الحال في حماية أنفسنا من التهديدات، لكن كما هو الحال مع الفيروسات البشرية، فإن فيروسات الحاسبات المعادية ستخترق أفضل أنظمة حجرنا الصحي، ولذا فإن هذا الهوس الجديد (والمكلف بطبيعة الحال) ليس هو ما تحتاج إليه أمة منهكة في الوقت الحالي.

* خدمة «واشنطن بوست»