أيهذا الشاكي وما بك داء!

TT

لم نجد ما نقوله لمريض وحيد في أحد المستشفيات. صحيح أنه لم يمت بعد.. ولكن الورود حول سريره وتحت سريره وفي الطريق المؤدي له كأنه مات وقد دفن حيا. دفنه أحب الناس إليه.. إنهم لم يتعجلوا وفاته وإنما أرادوا أن يخففوا عنه. أن يخففوا عنه ماذا؟ هو يسأل. إنهم لا يعرفون ما شكواه. فإذا سألوه أشار إلى العقاقير حوله.. أو أشار إلى الطبيب. ولكننا لا نفهم في العقاقير. ولا نريد أن نعرف. ويكفي أن نراه ملقى في فراشه لا يقوى على القعود. وإذا قعد لا يقوى على أن ينام. ويجب أن نساعده في كل الأحوال.

وعندما زاره أخوه القادم من أميركا لكي يراه بعد عشرات السنوات من الغربة وجدناه يحضنه ويقول: أنا أعرفك أكثر من كل هؤلاء.. أنت طول عمرك تحب أن يلتف حولك الناس وتوجع قلوبهم عليك.. أنت الذي قتلت أمنا رحمة الله عليها. لقد أوهمتها أنك مريض لا شفاء لك.. فبكت دما ودمعا حتى جفت الدموع والدماء، يرحمها الله. وأنا أراهن كل الأطباء إن عرفوا ماذا عندك. أنا فقط الذي يعرف. وغدا سوف تكون أحسن حالا من اليوم لأنني جئت، ولأن أختنا التي تعيش في أستراليا قد جاءت. وأنا أراهن على ذلك! ولا بد أن الشاعر اللبناني العظيم إيليا أبو ماضي كان يقصدك أنت بالذات عندما قال:

أيهذا الشاكي وما بك داء

كيف تغدو إذا غدوت عليلا

إن شر الجناة في الناس نفس

تتوخى قبل الرحيل الرحيلا

وترى الشوك في الورود وتعمى

أن ترى فوقها الندى إكليلا

ثم أخرج من حقيبته لفافة قد كتب عليها هذه الأبيات وعلقها وراءه على الحائط..

هاها - هذا صوت المريض لأول مرة من عشرين يوما؟!

وجاء الطبيب وأمسك يده يريد أن يعرف الضغط.. نظر إلينا الطبيب واحدا واحدا. وقال: يجب أن أخلع مسوح الأطباء. وأن تلبسوها أنتم؛ فالذي أراه اليوم وألمسه معجزة.. خذوه معكم.. ثم ألقوا هذه العقاقير في الزبالة.. هاها.. هاها!