تلاعب بالأولويات

TT

العنوان العريض لزيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الراهنة إلى واشنطن هو «إقناع» الإدارة الأميركية بأن لا جدوى ترجى من دبلوماسية التفاوض مع طهران، وأن العمل العسكري، أو الضغوط العسكرية على الأقل، وحدها الكفيلة بوقف تطوير القنبلة النووية الإيرانية.

رغم الأهمية القصوى التي توليها حكومة نتنياهو لملف إيران النووي، ورغم أن «الخطر» الإيراني هاجس اليمين الإسرائيلي وبضاعته اليومية، حرص وزير الخارجية الإسرائيلي - اليميني المتشدد - أفيغدور ليبرمان، على الإعلان عن أن نتنياهو يحمل إلى واشنطن مبادرة مختلفة تماما عن الرسالة الإيرانية هي قرار بالانسحاب من الثلث «اللبناني» المحتل من قرية الغجر الحدودية.

لافت أن يكون موضوع زيارة نتنياهو الرئيسي لواشنطن ملف إيران النووي.. و«التنازل» الذي يحمله هو الانسحاب من بضعة كيلومترات من قرية حدودية لا أهمية تذكر لها في إطار التسوية السلمية لأزمة الشرق الأوسط.

ولافت أكثر فأكثر أن لا يأتي البرنامج المعلن لهذه الزيارة على أي ذكر للمشكلة الأبرز في أزمة الشرق الأوسط اليوم: المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية المجمدة بسبب رفض حكومة نتنياهو تقديم «التنازل» المطلوب - أميركيا وعربيا - لإعادة إطلاقها، أي تمديد تجميد عمليات الاستيطان، ولو بصورة مؤقتة.

بمنظور وزارة الخارجية الإسرائيلية، تبدو زيارة نتنياهو الراهنة إلى الولايات المتحدة وكأنها برسم نيويورك فقط – وتحديدا برسم الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون - أكثر مما هي برسم واشنطن، خصوصا أنها تتزامن مع غياب الرئيس أوباما عن البيت الأبيض في زيارة رسمية إلى الهند.

ولكن، وبعد أن حاولت إسرائيل أكثر من مرة هذه السنة تمرير سيناريوهات انسحاب من بلدة الغجر واتهمت حزب الله «بإجهاضها»، كما قال ليبرمان، يجوز التساؤل: لماذا تعود إسرائيل اليوم، وفي هذا الوقت بالذات، إلى هذه المعزوفة وبجدية تعزز طرحها لهذا الانسحاب «من طرف واحد»، كما أعلن ليبرمان.

قد يعود الدافع الرئيسي إلى كون قرارها بانسحاب أحادي الجانب ليس أكثر من انسحاب صوري؛ بدليل اشتراطه تسليم «أمن» البلدة إلى القوات الدولية «يونيفيل» – لا لبنان - واستمرارها بإدارة الخدمات العامة والبلدية.

أما الدافع الثاني فقد يعود إلى كون ما تروج له إسرائيل كحل جزئي لمشكلة احتلال الأراضي اللبنانية هو، عمليا، مشروع مشكلة لبنانية – سورية – دولية (نسبة إلى القوات الدولية)، سواء لجهة ربط الانسحاب بالتزام مقابل بترسيم «الخط الأزرق» بين الأراضي المحتلة والأراضي اللبنانية المحررة، أم لجهة إبقاء بلدة الغجر مقسمة إلى شطرين، لبناني (الثلث) ومحتل (الثلثين)، أم لجهة تحريك الخلاف على هوية البلدة التي يعتبر سكانها أنهم سوريون لا لبنانيون.

وفي وقت تواصل فيه واشنطن مطالبة إسرائيل باستئناف مفاوضات السلام المباشرة مع السلطة الفلسطينية، لا يستبعد أن يكون دافع حكومة نتنياهو الضمني محاولة إرضاء الإدارة الأميركية بتنازلات ثانوية - بمقياس أزمة الشرق الأوسط - كبديل عن رفضها تقديم تنازلات جدية حيالها، علما بأنها تسهل في هذا السياق مساعي واشنطن لدعم استقرار لبنان الأمني والسياسي في مواجهة الحملة المتصاعدة لحزب الله على المحكمة الدولية.

غني عن القول أن التلاعب بالأولويات جزء لا يتجزأ من دبلوماسية المراوغة التي يتقنها نتنياهو. وبقدر ما ينجح نتنياهو في وضع الأزمة الأم في الشرق الأوسط، أي النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، على نار خفيفة، ينجح في شراء الوقت.. وبيع السلام معا.