اسكت.. أحسن لك

TT

حدثني صديق فلسطيني متحمس لقضية بلاده إلى حد الهوس فقال: «يا أبو نايل، هذه المقالة التي كتبتها عن تألق مطربين عراقيين قدموا حفلات كبرى في لندن وكتبت عنها الصحافة البريطانية، هل تعرف من نظمها لهم وتولى أمرها وحصل لهم على سمات الدخول إلى بريطانيا؟»، قلت: «لا. ولا يهمني من مكنهم من ذلك. هؤلاء موسيقيون ضائعون في هذه الفوضى الضاربة في العراق. طوبى لهم إن كسروا الطوق وحصلوا على هذه المكانة العالمية. مبروك عليهم».

قال: «أنت لا تعرف الحقيقة. ستغير رأيك عندما تعرف الحقيقة. نظم لهم هذه الحفلات صهاينة وإسرائيليون. فلان وفلان (أعطاني الأسماء)، وقام بتوزيع إعلاناتهم وبيع بطاقاتهم يهود عراقيون. هل تعرف ذلك يا أبو نايل؟»، قلت له: «اسمع يا عزيزي. خذ نصيحتي ولا تتكلم عن الموضوع. اسكت أحسن لك؛ فإذا سمع ذلك المطربون والموسيقيون العرب الآخرون فإنهم سيتهالكون على أبواب الصهاينة والإسرائيليين، يتوسلون بهم. سيؤلفون أغاني ومنولوجات يتغنون فيها بالتطبيع والتعاون مع إسرائيل وتصفية قضيتكم الفلسطينية. اسكت أحسن لك».

قلت مثل ذلك أيضا لرجل عراقي جاءني ينتحب ويبكي على أحوال المرأة العراقية. قال: «هل قرأت يا خالد ما جاء في التقارير الرسمية مؤخرا؟»، أجبته: «لا. فأنا لا أقرأ في هذه الأيام أي شيء عن العراق». قال: «انسَ موضوع العراق. ولكن أنت تكتب كثيرا عن مواضيع الجنس والبغاء ولك كتاب كامل عن العاهرة في الأدب العالمي. اسمع ما أقوله لك. تقول التقارير الرسمية الواردة من سورية إنه توجد الآن أكثر من 4500 مومس عراقية تعمل في دمشق ومسجلة لدى الشرطة. وهؤلاء المسجلات فقط وفي دمشق فقط. يا أبو نايل، انسَ العراق، ولكن من الضروري أن تكتب شيئا في (الشرق الأوسط) عن هذه المأساة». قلت له: مستحيل أن أكتب كلمة واحدة. عزيزي حسن، انسَ الموضوع واسكت أحسن لك وأحسن لهن وأحسن لكل العرب. تعرف؟ إذا (الزباين) سمعوا الحكاية، ستراهم يتقاطرون على دمشق من كل صوب وفج ويحصل كساد شرقا وغربا في كل دور الفساد. ما إن تسمع بنات الهوى عن هذه السوق حتى يسرعن خفافا ويتقاطرن على عاصمة العروبة ومهد القومية العربية ويزاحمن المسكينات العراقيات. وتعالَ خلّص الشرطة السورية من الأزمة. عزيزي حسن، اسكت أحسن لك وبس خلينا نطرب على صوت رائد المنولوج العراقي عزيز علي:

يا حسن، يا بعد عيني حسن!

يا حسن، اسكت حسن، بالصيف ضيعنا اللبن

ليش تدور لك طلايب وانت من أهل الفطن

أحسن اسكت يا حسن.. وعراقنا أحسن وطن

يا عرب شوفوا بلدنا بعد مدة من الزمن!