أنت ما تفكر فيه!

TT

تخيل نفسك تسير في ليلة ظلماء موحشة، وإذ بك تسمع وقع خطوات شخص يسير خلفك، فانتابك خوف شديد دفعك إلى السير بسرعة، وكلما أسرعت الخطى زادت كذلك سرعة من يتبعك، فلُذت بالفرار بأقصى سرعة نحو أقرب منزل، ليهجم عليك هذا المجهول ويمسكك من كتفيك صارخا بأعلى صوته «هل عرفتني؟»، لتفاجأ بأنه أحد أعز أصدقائك!

ما حدث هو أنك عندما كنت تفكر «بخوف» تغير «رد فعلك» فركضت، وعندما «شعرت بالأمان» كان «رد فعلك» مختلفا كليا. هذا التغير في التفكير هو الذي يتحكم في سلوكنا على مدار الساعة.

والأمر نفسه ينطبق على اليابانيين الذين ينتحر منهم أكثر من 30 ألف شخص سنويا، وهو أعلى معدل في العالم، لأن كثيرا منهم «أدركوا» أن الحياة، في نظرهم، لم يعد لها طعم، فكانت «ردود أفعالهم» عنيفة. وحتى العرب كانوا يفكرون بطريقة سلبية قديما حيث اشتهروا بوأد البنات في التراب اعتقادا منهم بأن البنت وصمة عار! ويظل وجه الرجل «مسودا وهو كظيم» من سوء ما بُشِّر به، ولكن لما تحضرت طريقة تفكيرهم كانت ردود أفعالهم مختلفة. وحتى الفتاة التي «تعتقد» أنها ليست جميلة أو جذابة، عندما تسمع إطراء من أحد يتغير سلوكها كليا. وكذلك الحال مع المحاضر أو اللاعب ذي الأداء المتواضع، ما إن يسمع تصفيق الجمهور واستحسانه حتى تغمره البهجة والحماسة.

ولا يعلم كثير من الناس أن «الأفكار» التي تدور في أذهاننا هي التي تتحكم في تصرفاتنا، فالأفكار ببساطة تتحول إلى «ردود أفعال»، والمواظبة على هذه الأفعال تحولها إلى «سلوك». ولذا نجد الشخص المتشائم يتخذ قرارات مختلفة كليا عن المتفائل. وهنا مربط الفرس، إذ إن الأفكار السلبية أمر في غاية الخطورة، وما إن ترد إلى أذهانا يجب أن نطردها بسرعة، لأننا إن تركناها سوف تتدحرج مثل كرة الثلج فتكبر وتؤذينا وتؤذي من حولنا.

ومعركة الشيطان مع بني آدم ساحتها العقل، وهذا سبب آخر يدفعنا إلى التفكير السلبي، فهو يريد أن يثبطنا ويجعلنا أسرى هذا النوع من التفكير. وأذكر أنني استمعت إلى محاضرة لقس أميركي مسيحي كان يقول: «لا تسمح لأفكار الشيطان أن تدخل إلى عقلك فتدمرك!». وعلى الجانب الآخر هناك أفكار سلبية نابعة من نفس الإنسان الأمّارة بالسوء، كما ذكر الله عز وجل في محكم كتابه: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا».

ومهما حاولت إخفاء أفكارك السلبية تجاه نفسك أو تجاه الآخرين لا بد أن تظهر إلى العلن وتبين حقيقة شخصيتك. فقد أظهرت دراسة علمية أميركية أن «فكرتك عن الآخرين تكشف بشكل كبير عن شخصيتك.. وأن رؤية الآخرين بصفة إيجابية تكشف صفاتنا الإيجابية». كما وجد البروفسور المساعد في علم النفس بجامعة واك فورست د. داستين وود وزميلاه أن «هناك ارتباطا قويا بين الحكم بإيجابية على الآخرين وتمتع الشخص بالسعادة والحماسة والاستقرار النفسي والعطف واللطف، وأن الحكم بصورة سلبية على الآخرين يعكس مستوى عاليا من النرجسية واحتمالية إصابة الشخص بالاكتئاب وإضرابات الشخصية».

وبصورة عامة، هناك أفكار تضرنا، وحتى يتصور المرء خطورة ما يدور في ذهنه، ليتخيل ما هي ردود أفعال الآخرين لو تمكنوا من الاطلاع على ما يدور في أذهاننا، كرغبتنا في الانتقام من مدير أو زميل أو قريب، أو شعورنا بأن فلانا هو سبب تعاستنا، وهكذا.

وهناك أفكار أو كلمات تمنعنا من تحقيق ذاتنا، كأن يردد المرء باستمرار: «أنا فاشل، كسول، ضعيف»، أو يردد كلمات سلبية مثل: «مستحيل، لا يمكن أن أحقق هذا الهدف»، حتى تستقر في قرارة نفسه هذه الأفكار التي تمنعه فعليا من تحقيق مراده، لأن الأفكار تتحول، مع مرور الوقت، إلى «أفعال» ثم «سلوك».

إذن ما يدور في ذهنك يمكن أن يكون سبب سعادتك أو تعاستك، فأنت وحدك من يملك هذا الاختيار.

[email protected]