الشعب بالخنادق والقادة بالفنادق!

TT

حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومعه القيادات الفلسطينية، التسابق من أجل التقاط الصور مع الأسرى المفرج عنهم يوم الثلاثاء؛ نتنياهو فعلها مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، والقادة الفلسطينيون فعلوها مع الأسرى الفلسطينيين المطلق سراحهم، في عملية متاجرة واضحة بالبشر، والمستقبل.

فكم هو محزن أن دول العالم تتبادل فيما بينها الخبرات، والتقنية، وتتحدث عن تأثير فارق العملات، أو الميزان التجاري وخلافه، بينما إسرائيل ودول منطقتنا تختلف على رفات موتى، أو عدد أسرى! أمر محبط جدا. بل وإمعانا في الإحباط أيضا فقد سمعت مراسل محطة «سي بي إس» الأميركية يقول، وبلا حياء، إن شاليط بدا منهكا، بينما أسرى حماس كانوا بصحة أفضل، ومحافظين على قواهم، وكان المراسل مثله مثل مذيعة التلفزيون المصري التي كانت تقول للجندي الإسرائيلي: «تبدو بصحة طيبة»! وهذا ليس كل شيء بالطبع، فقد ورد بنشرة الأخبار الأميركية تساؤل عما إذا كانت حماس تفكر باختطاف جنود إسرائيليين آخرين لأن تجربتها قد نجحت مع شاليط، لكن ما تجاهلته المحطة، ومثلها قادة حماس، وكل المطبلين لهم، أن ثمن شاليط لم يكن 477 أسيرا فلسطينيا، بل كل ضحايا حرب غزة، الذين فاق عددهم الـ1300 قتيل، وعليه فإن الصفقة حقيقة هي شاليط الإسرائيلي مقابل قرابة 2400 فلسطيني، بين أحياء وأموات، فأي خزي بعد هذا، وهل هذه هي المنطقة التي نريد لأبنائنا أن يعيشوا فيها؟

وما يثير التعجب أكثر أن الغرب، وبدلا من أن يكون أكثر تعقلا من بعض ممن هم بمنطقتنا، نجدهم مهللين أيضا لصفقة تبادل الأسرى بدلا من سعيهم للقول لإسرائيل كفى عبثا، وأن وقت الجلوس على طاولة المفاوضات والاستجابة الحقيقية لمتطلبات السلام قد حان. على الغرب، وتحديدا أميركا، أن يسألوا أنفسهم، هل من أحد يضمن عدم خروج بن لادن جديد بمنطقتنا طالما أن الأجيال لا ترى إلا الخراب والدمار والإذلال؟

فالغرب الذي بارك الصفقة لم يتنبه إلى أنه، أي الغرب، عندما يتنافس زعماؤه بالانتخابات، وبأي بلد غربي، فإنهم يتنافسون وأجنداتهم الانتخابية تقوم على الإصلاح الاقتصادي، والتعليم، وإصلاح نظام الضمان الاجتماعي، والنظام الصحي، وهكذا.. بينما بمنطقتنا تبنى الزعامة، خصوصا بين مدعي الممانعة والمقاومة والبطولات الوهمية، بتبادل رفات الموتى والأسرى! فلو تمعن الغرب، وقبلهم عقلاؤنا بالطبع، والمغرر بهم، صور يوم الثلاثاء لوجدوا نتنياهو الانتهازي وهو يستثمر صور شاليط، ليقول للإسرائيليين لقد أنجزت أمرا ما، وهو الرجل الذي ليس لديه إنجاز يخدم السلام والبشرية. كما سيجد المتأمل أيضا كيف أن خالد مشعل كان يجلس مسترخيا وهو يشاهد عملية تبادل الأسرى، وكأنه يشاهد مباراة كرة قدم، ودون اكتراث لكل من قتلوا بحرب غزة، ومن شوهوا، ومن فقدوا مدخراتهم، بسبب حرب لا مصلحة للفلسطينيين فيها!

وأشك أن يطرح مشعل على نفسه هذه الأسئلة، أو أن يجرؤ على قول لقد أخطأت؛ لأن صورة مشعل يوم الثلاثاء قالت لنا «إن الشعب بالخنادق، والقادة في الفنادق!».

[email protected]