إلى قارئ في موريتانيا وفي أسيوط

TT

يتوقع القارئ الذي تكتب له أن تكون معه أيضا. فأنت، على نحو ما، وكيله. وأنت عندك زاوية في منبر؛ لذلك فالواجب متروك لك. حتى عندما يكون الموضوع ثقافيا، يريد أن تتجاوب مع مشاعره ورؤيته. وهو لا يحسب، ولا من شأنه أن يحسب، كم نوعا من القراء هناك. كم رؤية وكم موقفا وكم بلدا وكم ثقافة. هذه مشكلتك، لا مشكلته. أنت هو الكاتب ومهمتك أن ترسل، وهو القارئ وليس عليه سوى أن يقرأ. ولا أعذار ولا تبريرات وأرجو ألا تنغص علينا صباح اليوم بزاوية «موضوعية» أخرى. نحن نعرف أن الموضوعية تتحقق في الجنة. أما هنا، فنحن بشر نسعى. مخلوقات لها أبناء ولها أقرباء ولها أصدقاء ولها قناعات ولها رؤية، فالرجاء أن تترك موضوعيتك لنفسك الآن. لا تهرب ولا تتهرب ولا تكن دبلوماسيا. قارئ كتب، في شيء من الظلم، وربما في مبالغة من عدم الإنصاف: نحن لا نريد دبلوماسيين. الدبلوماسيون مكانهم السفارات. نريد كتابا، هذا ما نريد.

معك حق.. لكن الاعتدال ليس دبلوماسية. أنا أيضا لي مشاعري ومخاوفي وعواطفي. لم يكن خطأ أن أظل آمل بالوصول إلى حل في سوريا. هذا لا يعني أنني كنت مع هذا المشهد اليومي من الدماء والاعتقالات وبغاضة السقط البشري المعروف بالشبيحة. ولا كان جبنا أن أسارع إلى تأييد ثورة تونس وأن أمتعض من مشاهد الكذب والنفاق والتزلف للثورة في مصر على نحو مضحك وأن أبقى محايدا في سوريا. لم أكن محايدا، لا في السر ولا في الزاوية. كنت منذ اللحظة الأولى مع الحريات والإصلاح وضد تخلف الإعلام والبرلمان وضد تأخر النظام في الخطوات الحقيقية وغرقه في الخطابيات.

قلت ذلك كله بأسلوبي وليس بأسلوب القراء المعاتبين والملهوفين والفائرة مشاعرهم. دعوني أقدم هذا المثال: يسمي الزميل الكبير عبد الرحمن الراشد الدكتور أحمد بدر حسون «مفتي النظام». ويشاركه في ذلك كثيرون. أما أنا فالدكتور حسون صديقي، وجلست إلى مائدته الحلبية وأصغيت إليه وأصغى إليَّ في مكتبه بكل صدق وبساطة. وعندما فقد ابنه كان ذلك بالنسبة إلي مصاب صديق بفلذته، وليس حدثا يوميا في صراع مرير ومرحلة قمع مؤلم.

لا أذكر أن جريدتي حاولت أن تراقبني في ربع القرن الماضي، لكنني عندما بدأت الكتابة هنا كان قد مضى عليَّ ربع قرن على الأقل، في الصحافة العربية، وبرفقتي دائما رقيب بسيط إلى درجة السذاجة أحيانا، يأمل بالخير والدنيا تنهار، ويحلم بالنهايات السعيدة والكوابيس تعم الأمة، ويخشى أن يرمي كلمة فتقع كحجر. وأرجو أن يقرأ هذا الكلام باعتذار من القراء الذين يراسلون أو الذين لا يراسلون. من الصعب أن يغير المرء طبعه. فالأسلوب هو الرجل، قال بومارشيه.