منع الحرب الأهلية السورية

TT

استخدمت روسيا والصين حق الفيتو الأسبوع الماضي للاعتراض على مشروع قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة بشأن سوريا، وهو ما يوجه ضربة لاستقرار هذا البلد وجيرانه، حيث من الممكن أن يؤدي هذا الاعتراض المزدوج إلى اندلاع حرب أهلية.

إن عدم قدرة مجلس الأمن على التصرف خلق فراغا سياسيا خطيرا، وأرسل رسالة واضحة إلى الرئيس السوري بشار الأسد أن بإمكانه الاستمرار في القتل دون أن يخشى العقاب، وأرسلت في نفس الوقت رسالة أخرى إلى المتظاهرين السوريين أنهم يقفون في هذه المواجهة بمفردهم.

وفي حين أن روسيا والصين تؤكدان الحوار بدلا من المواجهة وتقترحان اتخاذ قرار أكثر «توازنا»، فإن الواقع أن الشارع السوري يدعو صراحة لسقوط نظام الأسد طوال عدة أشهر.

ويعد موقف روسيا والصين في العديد من النواحي ردا على تفسير الغرب الفضفاض لقرارات الأمم المتحدة ضد ليبيا، الذي أدى للقيام بعمل عسكري ضد العقيد معمر القذافي. وعلى الرغم من أن هذا الاعتراض قد يشعر موسكو وبكين ببعض الرضا من الناحية السياسية، فإن فشل قرار مجلس الأمن قد جاء على حساب الشعب السوري واستقرار سوريا على المدى الطويل، وهذا الذي حدث يعد نموذجا للسياسة الدولية في أسوأ حالاتها.

وقد تضاعف عدد القتلى منذ بدأ مجلس الأمن يتداول مشروع قرار بشأن الأزمة في سوريا في أغسطس (آب)، حيث ارتفع إلى أكثر من 2900 قتيل، بينما بلغ عدد الأشخاص المفقودين أو المعتقلين عشرات الآلاف.

وعلى الرغم من أن سوزان رايس، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، تأمل أن «شعوب الشرق الأوسط يمكنها الآن أن ترى بوضوح الدول التي اختارت أن تتجاهل نداءاتهم لتطبيق الديمقراطية وتدعم بدلا من ذلك الديكتاتوريين اليائسين القاسيين»، إلا أن أغلب الناس من المرجح ألا ترى في هذا الأمر سوى فشل جماعي من جانب المجتمع الدولي.

وكلما استمر الوضع الحالي في سوريا، زاد احتمال تمزق نسيجها العرقي والطائفي الحساس، حيث تخشى جماعات المعارضة، الذين من ضمنهم جماعة الإخوان المسلمين، من تزايد الأعمال الانتقامية ضدهم من قبل العلويين والنخبة المسيحية، التي لن يكونوا قادرين على منعها.

وقد أصبح من المتعذر بالنسبة للمعارضة الدفاع عن سلمية الاحتجاجات، خاصة مع الجهود التي تبذلها الحكومة لزرع الفتنة، والتي تتضمن سلسلة من اغتيالات الأكاديميين وحملة اغتصاب تستهدف النساء والفتيات في المدن ذات الأغلبية السنية.

وقد ركزت استراتيجية الغرب في الأمم المتحدة حتى الآن على إخضاع سوريا للرقابة الدولية، لتكون شاهدة على الأعمال الوحشية التي ترتكب هناك وتقدم تقريرا عنها، ولكن هناك جدلا متزايدا داخل المجلس الوطني السوري - يتهامس به الأعضاء في الوقت الحالي - حول الحاجة لحماية المدنيين «بأي وسيلة ضرورية»، حيث تشمل هذه الوسائل وجود مراقبين دوليين، ولكنها قد تمتد إلى إنشاء مناطق آمنة للمدنيين، أو منطقة حظر طيران إذا ما تطلب الأمر، أو الاستعانة بقوات أجنبية على الأرض كملاذ أخير.

وقد واصلت واشنطن بدلا من ذلك اتباع استراتيجية «القيادة من وراء الكواليس»، وأحد الأسباب وراء اتباعها هذا النهج هو اعتقادها أن اتباع نهج أكثر تهورا قد يؤدي في الواقع إلى صرف الاهتمام بعيدا عن الجهود التي يبذلها أعضاء المعارضة وإظهارهم كعملاء للغرب، كما تدعي الحكومة. ولكن مع تزايد عمليات القتل، فإن هذه السياسة تزيد من الشكوك حول أن أميركا ليست جادة في دعم الاحتجاجات والإعداد للتعامل مع سوريا جديدة بعد سقوط نظام الأسد.

لقد ثبت فشل هذه الاستراتيجية، ويتعين على أميركا وأوروبا دفع جيران سوريا لدعم اتخاذ تدابير عقابية ضد الأسد وممارسة ضغوط دبلوماسية على روسيا والصين.

ويمثل تحذير روسيا للأسد، بعد تصويت الأمم المتحدة، بأن يبدأ تنفيذ الإصلاحات وإعادة السلام وإلا فسيواجه «بعض القرارات الصارمة» من روسيا - فرصة سانحة، حيث كان الضغط الذي مارسته الدول العربية على روسيا والصين حاسما عندما حان وقت القيام بإجراء فعال من جانب الأمم المتحدة في ليبيا، ويجب عليها أن تفعل الشيء نفسه الآن.

كما يجب على واشنطن أيضا أن تحث تركيا على لعب دور أكثر قوة، فرجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، يبدو أكثر احتمالا الآن للقيام بذلك، خاصة مع شعوره المتزايد بالغضب، حيث ينبغي لتركيا تحديدا أن تقوم بتقليص حجم تجارتها مع سوريا وفرض عقوبات تستهدف الحكومة السورية.

وينبغي للولايات المتحدة أن تعترف أيضا بالمجلس الوطني السوري بصفته القيادة المعارضة الشرعية للشعب السوري، وأن تشجع القوى العربية والإقليمية والأوروبية الرئيسية على أن تحذو حذوها، حيث يعد القرار الذي اتخذه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين للترحيب بتشكيل المجلس الوطني السوري باعتباره «خطوة إيجابية إلى الإمام» ردا مناسبا على التهديدات السورية ضد أولئك الذين سيعترفون رسميا بالمجلس، لكنه لا يعد قويا بما يكفي.

ويمثل المجلس الوطني السوري، الذي يتكون من 230 عضوا، قطاعا واسعا وشاملا، إن لم يكن مثاليا، للمعارضة السورية، حيث يتضمن العلمانيين والإسلاميين، كما يتضمن الأهم من ذلك، وهم جيل الشباب من المتظاهرين في الشوارع الذين يعرضون حياتهم للخطر، وسيجعل الاعتراف الدولي المجلس أكثر فعالية، كما سيرسل إشارة دعم قوية للمعارضة.

وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي للولايات المتحدة دفع المجلس الوطني السوري ليكون شاملا بقدر الإمكان، بحيث يجذب إليه بشكل خاص أعضاء الطوائف العلوية والمسيحية.

ولا يزال بإمكان الدبلوماسية الأميركية، لو أنها صممت على تحقيق هدفها، منع الخطر الوشيك المتمثل في لجوء هذه الطوائف غير القادرة على التعايش مع خسائرها والتي تخاف من المستقبل، إلى العنف.

وقد كان المزيج العرقي السوري القابل للاشتعال أحد أسباب تردد أميركا في دعم المعارضة، أما الآن، ومع خروج أعمال العنف عن نطاق السيطرة، فقد أصبح هذا المزيج سببا لمزيد من التدخل الأميركي.

وإذا لم تتحرك الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون والقوى الإقليمية بسرعة، فإن سوريا سوف تنزلق إلى آتون الفوضى.

* مدير مركز بروكينغز الدوحة وزميل في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز