أوباما.. عدو أميركا الجديد!

TT

هناك فريق يميني جمهوري محافظ وعريض في الولايات المتحدة الأميركية يرى أن رئيسه الحالي باراك أوباما هو العدو الأخطر لأميركا اليوم، وأنه قاتل الحلم الأميركي وأكبر تهديد لمبادئ قيام الولايات المتحدة نفسها!.. نعم هذه نقاط مطروحة اليوم ومن دون أي مبالغة على الإطلاق. فباراك أوباما ينظر إليه منهم على أنه «اشتراكي خفي وسري»، وأنه لديه مشروع شخصي يرغب في تطبيقه يرتكز على فكرة تفتيت الثروات وإعادة توزيعها بشكل أكثر عدالة وسوية. هذا بالإضافة إلى توجهه «التأميني» الذي أطلقه في بداية الأزمة المالية الاقتصادية الكبرى التي عصفت بأميركا ولا تزال، فأطلق برنامج إنقاذ مالي لقطاع المصارف والإقراض والتأمين، كان من نتيجته أن هيمن عليه، وكذلك أطلق برنامج الرعاية الصحية الذي كان مثار جدل كبير، واعتبر أنه نموذج «اشتراكي» مستورد كفكرة من الدول الاسكندنافية المشهورة بذلك.

ولم يكتف الفريق المحافظ اليميني بهذه الاتهامات، لكنه يروج لفكرة أن الرئيس باراك أوباما «يشتري» أصوات العمال والموظفين في النقابات العمالية المختلفة، وذلك بعد أن أنقذ شركات السيارات والصناعات التابعة لها ذات الثقل الهائل في الاقتصاد الأميركي. الشركات الأميركية الكبرى في المؤشر الشهير لـ«ستاندرد آند بورز» والشهيرة بالـ«500S & P»، وهي أكبر خمسمائة شركة في الاقتصاد الأميركي، لديها فائض نقدي يبلغ مقدراه 4.1 تريليون دولار، وأقول فائضا نقديا وليس أصولا أو قيمة أو سمة تجارية، ولكن مبالغ نقدية، بينما تغرق الحكومة الأميركية المفلسة في أكبر بحر من الديون الهائلة، ومع ذلك هناك أزمة بطالة حادة، وإفلاس للشركات، ومنازل في السوق تعرض بأثمان منخفضة لأن ملاكها غير قادرين على تمويلها وسداد أقساطها على الرغم من أن أسعار الفائدة المصرفية للإقراض بلغت مستويات دنيا وغير مسبوقة، وكذلك هبطت قيمة الدولار الأميركي لمستويات هي الأخرى منخفضة جدا لحث وتشجيع الصادرات الأميركية، وهي تحركت بالفعل وأصبحت أكثر تنافسية ولكن ميزان التبادل التجاري لا يزال لصالح دول مصنعة عملاقة مثل الصين واليابان وكوريا بامتياز لا يمكن إنكاره.

هذا المناخ «الملغم» في أذهان المحافظين اليمينيين يهدد «الحلم الأميركي» ذائع الصيت والمبني على فكرة أن كل جيل أميركي قادر على أن يوفر حياة كريمة ويحقق نجاحات اجتماعية واقتصادية تفوق قدرات جيل آبائه بشكل واضح وقابل للقياس والمقارنة، وبالتالي لا بد أن يكون هناك «عدو» مسؤول عن تهديد هذا الحلم، وعليه انطلقت حملات منظمة للتشكيك في الرئيس أوباما ونهجه الاشتراكي، وهذا شبيه بما حصل من قبل السيناتور الجمهوري جو مكارثي في الخمسينات الميلادية من القرن الماضي ضد كل من كان يشتبه في ميوله الشيوعية، وعُرف «بالمكارثية»، وكان ذلك اليوم هو نواة حزب الشاي اليميني المحافظ، ولكن هذا الحراك ولد حركة «احتلال وول ستريت» التي تتهم المصارف الكبرى بالجشع وعدم عدالة التوزيع الاجتماعي السوي للفرص والمال، وسيطرة فئة محدودة ومنتقاة عليهما، مما يؤدي إلى توزيع الفرص والمنافع بشكل مدبر وذي خفايا مبطنة، وهذه المسألة شجعت الرئيس أوباما على أن يطلق فكرة زيادة الشريحة الضريبية على كبار رجال الأعمال والأثرياء في أميركا لكي يسهموا في تحسين الاقتصاد الأميركي، ولقي هذا الاقتراح التشجيع والدعم والقبول من أثرى وأهم رجل أعمال ومستثمر أميركي، وارن بافيت، الذي أيد هذا الكلام وبقوة. هذه سنة انتخابية مثيرة في أميركا، ولكن ساحة العداء والاتهام بلغت مراحل غير مسبوقة، ويبقى الفيصل هو قرار الناخب الأميركي الذي عليه أن يختار الصديق من العدو، ليس بحسب ما يروج له ولكن بحسب القناعة، وحتما أن هذا القرار سيؤثر على العالم أيضا.

[email protected]