القضايا الأمنية.. إما أبيض أو أسود

TT

قائل عبارة العنوان هو وزير الداخلية السعودي، الأمير نايف بن عبد العزيز، على خلفية أحداث شغب نفذها الحجاج الإيرانيون في موسم حج عام 1987 خلفت أكثر من 400 قتيل. موسم الحج تحول إلى تحد بالنسبة للحكومة السعودية، ليس بسبب خطر أمني محتمل من اليهود أو النصارى، ولا بسبب الأوبئة التي تستهدف التجمعات الكبيرة من البشر، كإنفلونزا الخنازير والكوليرا، وليس بسبب قلة ذات اليد، حيث إن ميزانية خدمة ضيوف الرحمن بلا أبواب. التحدي مرده بكل أسف لمتطرفين محسوبين على الإسلام.

لم تترك إيران منذ قيام ثورتها، عام 1979، أي جهد لضرب الاستقرار الأمني في المملكة، وكانت مواسم الحج توقيتا حساسا تتصاعد فيه وتيرة التآمر والغوغائية، حيث بدأت الجهود الحثيثة في نظام الخميني في موسم حج عام 1980 بالتظاهر في الأماكن المقدسة، والتلبية بمكبرات الصوت، ليس لله تعالى بل للخميني لتسويق الثورة الإيرانية، واكتفت السعودية حينها بتفريق المظاهرات، فكانت أولى الخطوات الحليمة في التعامل مع النظام الإيراني.

توالت الاستفزازات الإيرانية سنوات لاحقة، حتى كانت الكارثة التي لم تكن في الحسبان حينما تم الكشف عن أكثر من 50 كيلوغراما من المتفجرات في حقائب حجاج إيرانيين في عام 1986، وحيث استطاعت قوات الأمن كشف ومصادرة عجينة المتفجرات (سي - فور)، قررت السعودية التكتم على الحادثة عاما كاملا درءا للفتنة ومنعا لإثارة الخوف في قلوب الحجاج. ولكن ظن السعودية لم يتحقق، حيث راح في موسم حج العام الذي تلاه مئات القتلى ما بين رجال أمن سعوديين وحجاج إيرانيين وحجاج من جنسيات مختلفة، حاولوا منع المظاهرات الإيرانية من اقتحام الحرم المكي المقدس. وفي اليوم التالي هوجم مقر السفارة السعودية في طهران على مرأى من رجال الأمن هناك، وتعرض موظفوها للاعتداء، وأصيب الملحق في السفارة مساعد الغامدي (رحمه الله) بإصابات بالغة فمات متأثرا بها، كما اختطف أربعة من زملائه.

لقد ظلت السعودية هدفا استراتيجيا لإيران، بل عدوها الأول، حيث لم نسمع طوال تاريخ ما بعد الثورة الإيرانية أن اعتدى الخميني على شبر من إسرائيل التي يتغنى بعداوته لها. ولم تأخذ العلاقة السعودية الإيرانية بعضا من الهدوء إلا في فترة تولي الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي سدة الحكم (1989 - 2005)، ولكن العداء ظل دائما جمرا تحت الرماد؛ ففي عام 1996 حصل تفجير لمقر أميركي في مدينة الخبر السعودية وكشفت التحقيقات تورط الإيرانيين فيه.

في الربيع العربي ظنت إيران أن تخلخل الاستقرار في المنطقة سيوفر مناخا مناسبا للبدء بأعمال تخريبية ستوصلها بالنهاية لهزيمة عدوها اللدود، أي السعودية، فبدأت بإثارة الشغب في مملكة البحرين من خلال العناصر الموالية لها. لم يتوقع أحمدي نجاد أن الحكومة السعودية ستهب بهذه القوة لنجدة البحرين، فكانت صدمة جعلته في حيرة من أمره من هذا الأسد الذي ينظر إليه بعين الرقيب، ولكن تحركاته غير مقروءة. وبعملية استفزازية صغيرة أثارت إيران بعضا من المواطنين الشيعة في منطقة شرق المملكة قبل نحو شهر مضى، ثم ما لبث أن طلع علينا وزير العدل الأميركي يعلن في مؤتمر صحافي عن محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن بمؤامرة من صناعة إيرانية.

لا تعتقدون أن محاولة الاغتيال كانت بسبب التضييق الذي يواجهه بشار الأسد، أو بسبب الضغوط الدولية على إيران، فالتخطيط لهذه العملية تم قبل أن يتردى الوضع في سوريا. الرؤية أوضح عند النظر إلى الصورة من بعيد، بأن هناك تاريخا مليئا بالتآمر والعدوان من الإيرانيين تجاه السعودية، وما محاولة الاغتيال الأخيرة، وإن بدت جزءا من الفوضى التي تعيشها المنطقة، إلا حلقة من سلسلة طويلة من الاستهداف الإيراني لأمن المملكة لا نعلم متى ينتهي، ولكن الأكيد أنه لم يستمر طوال هذا الوقت إلا لأن سياسة الكرم لا تجدي مع اللئام، فمن هانت عليه المقدسات، التي لم يجرؤ على هتك أمنها عبر التاريخ سوى الطغاة، لن يتوانى عن هتك العرف الدولي في نيويورك.

* كاتبة سعودية