نحو «طائف».. سوري

TT

رغم المهلة الزمنية القصيرة (15 يوما) التي منحها وزراء الخارجية العرب للنظام السوري لإجراء إصلاحات توقف أعمال العنف وتضمن الانتقال السلمي للسلطة... يبدو المؤتمر وكأنه بداية مرحلة طويلة الأمد من التعامل العربي مع «الحالة السورية» قد لا تنتهي بعملية انتقال للسلطة فحسب بل تتعداها إلى اتفاق «طائف» جديد (شبيه بـ«الطائف» اللبناني) يعيد صياغة نظام تعددي لسوريا.

بوادر هذا التوجه يمكن تلمسها من اتفاق وزراء الخارجية العرب، خلال اجتماعاتهم التشاورية، على استضافة الجامعة العربية «لحوار بين الحكومة السورية والمعارضة»، ومن استعدادهم لإيفاد لجنة وزارية لزيارة سوريا، وعقد لقاءات مع الحكومة والمعارضة، ما يشكل بداية التزام جدي بـ«الحالة السورية».

اللافت أن يتجنب الوزراء العرب، في اجتماع القاهرة الطارئ، طرح اقتراح تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية - كما يطالب المجلس الوطني السوري - ما قد يعني أنهم يفضلون مقاربة متدرجة لعلاج «الحالة السورية» قبل الوصول إلى آخر العلاج... «الكي».

مع ذلك، لا تخلو توصية وزراء الخارجية العرب من أبعاد سياسية ضمنية يصعب تجاهلها. وقد يكون أبرزها ليس فقط اعترافهم بوجود محاور سوري آخر غير حكومة دمشق – الغائبة عمليا عن الأحداث – بل مساواتهم مرجعية المعارضة بمرجعية الحكومة في إقرار الإصلاحات المطلوبة. في هذا السياق، يحق للمجلس الوطني السوري أن يعتبر أن وزراء الخارجية العرب أصبحوا، بعد حكومة روسيا، الجهة الرسمية الثانية التي تعترف به بصورة غير مباشرة وذلك من خلال إعلان الجهتين استعدادهما لاستضافة جلسات الحوار المقترحة بينه وبين النظام السوري.

أما الظاهرة الأخرى التي تكشفها توصيات وزراء الخارجية العرب فهي ظاهرة اعتبار الحكومة السورية وكأنها غير موجودة «رسميا»، فدعوة الحوار تحصر صفتها التمثيلية الراهنة في إطار فئة حزبية متناحرة مع فئات حزبية أخرى... لا تقل عنها تمثيلا للشارع السوري، إن لم تتفوق عليها شعبية.

أما البعد السياسي الآخر لإمهال وزراء الخارجية العرب النظام السوري خمسة عشر يوما فقط لمباشرة الحوار مع المعارضة فهو تصنيفه المبطن لهذا النظام في خانة الأنظمة القاصرة سياسيا إلى حد يسمح للوزراء تجاهل سيادته – المهزوزة أصلا – على أرضه، وبالتالي التفرد أحاديا بوضع «أجندة» وقف أعمال العنف.

وعلى هذا الصعيد يجوز الاستنتاج من اقتصار ردة الفعل السورية على توصيات الوزراء العرب على أضعف أشكال الاعتراض الدبلوماسي، أي «التحفظ» عوض «الرفض»، أن تقويم الوزراء العرب لموضوع «سيادة» النظام السوري على شعبه وأرضه ليس بعيدا عن الواقع.

يبقى المغزى المستقبلي لتحديد وزراء الخارجية مهلة زمنية وجيزة لمباشرة النظام السوري إجراءات وقف أعمال العنف، وهي فترة لا تكفي - في حال السير بها - لإتمام الاتصالات التمهيدية للتحضير لجلسات الحوار.

قصر هذه المهلة على خمسة عشر يوما فقط يوحي بأمرين، أولا، توقع الوزراء العرب، سلفا، تهرب النظام السوري من توصياته، وثانيا، استعجاله الانتقال إلى المرحلة الثانية من مخطط التعامل مع «الحالة السورية» بعد أن يكون قد استكمل واجب النصح والإرشاد. وتأكيد وزير خارجية قطر، الشيخ حمد بن جاسم - في رده على اتهامات المندوب السوري - بأن دول مجلس التعاون الخليجي «ليسوا مطية لتنفيذ مخططات غربية» يكشف إدراك وزراء الخارجية العرب لفعالية ما يحتفظون به من أوراق ضغط لمعالجة «الحالة السورية» في إطار عربي وتجنيب دمشق مخاطر «تدويل» أزمتها. وإذا كانت هذه الأوراق تبدأ بتجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وتنتهي بالاعتراف بالمجلس الوطني ممثلا شرعيا للشعب السوري فذلك لا يعفي شرائح المجتمع السوري من مسؤوليتهم الجماعية في التوصل إلى صيغة توافقية لنظامهم السياسي... سابقتها الأبرز اتفاق الطائف اللبناني.